للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا العالم، فإنْ تطهَّر ها هنا بالتوبة النصوح، والحسنات الماحية، والمصائب المكفِّرة لم تحتج إلى تطهير هناك، وقيل لها مع جملة الطَّيبين: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: ٧٣]. وإنْ لم تتطهر في هذه الدَّار، ووافقت الدَّار الأخرى بِدَرَنِهَا ونجاستها وخبثها أُدْخلت النَّار طُهْرة لها، ويكونُ مكثها في النَّار بحسب زوال ذلك الدَّرن والخبث والنجاسة التي لا يغسلها الماء، فإذا تطهَّرت الطُّهر التام أُخرجت من النَّارِ، واللَّهُ سبحانه خلق عباده حُنَفاء، وهي فطرة اللَّه التي فطر النَّاسَ عليها، فلو خُلُّوا وفِطَرهم لما نشؤوا إلَّا على التوحيد، ولكن عَرَض لأكثر الفِطَر ما غيَّرها، ولهذا كان نصيب النَّارِ أكثر من نصيب الجنَّة، وكان هذا التغيير مراتب لا يحصيها إلَّا اللَّه، فأرسل اللَّه رسوله، وأنزل كتبه يُذكِّر عباده بفطرته التي فطرهم عليها، فعرف الموفَّقون الَّذين سبقت لهم من اللَّهِ الحسنى صِحَّة ما جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب بالفطرة الأولى، فتوافق عندهم شرع اللَّهِ ودينه الَّذي أرسل به رسله وفطرته التي فطرهم عليها، فمنعتهم الشريعة المنزلة، والفطرة المكمِّلة، أنْ تكتسب نفوسهم خُبثًا ونجاسة ودرنًا يعلق بها ولا يفارقها، بل كلما ألمَّ بهم شيء من ذلك ومَسَّهم طائف من الشيطان غاروا عليه بالشِّرْعة (١) والفطرة، فأزالوا موجبه وأثره، وكمل لهم الرب تعالى ذلك بأقضية يقضيها لهم مما يحبون أو يكرهون، تمحص عنهم تلك الآثار التي شَوَّشت الفطرة، فجاء مقتضى الرحمة، فصادف مكانًا قابلًا مستعدًّا لها ليس فيه شيء يُدافعه، فقال: ها هنا أُمِرْت، وليس للَّه


(١) في "ج، هـ"، ونسخةٍ على حاشية "أ": "بالشريعة".