سبحانه غرض في تعذيب عباده بغير موجب، كما قال تعالى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (١٤٧)} [النساء: ١٤٧]، واستمر الأشقياء مع تغيير الفطرة، ونقلها مما خلقت عليه إلى ضِدِّه، حتى استحكم الفساد وتم التغيير، فاحتاجوا إلى إزالة ذلك إلى تغيير آخر، وتطهير ينقلهم إلى الصحة حيث لم تنقلهم آيات اللَّه المتلُوَّة والمخلوقة، وأقداره المحبوبة والمكروهة في هذه الدار، فأتاح لهم آيات أُخر وأقضيةً وعقوباتٍ فوق التي كانت في الدنيا تستخرج ذلك الخبث والنجاسة التي لا تزول بغير النار، فإذا زال موجب العذاب وسببه؛ زال العذاب، وبقي مقتضى الرحمة لا معارضَ له.
فإن قيل: هذا حق، ولكن سبب التعذيب لا يزول إلا إذا كان السبب عارِضًا: كمعاصي الموحِّدين، أمَّا إذا كان لازمًا: كالكفر والشرك، فإن أثره لا يزول كما لا يزول السبب، وقد أشار سبحانه إلى هذا المعنى بعينه في مواضع من كتابه.
منها: قوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ}[الأنعام: ٢٨] فهذا إخبارٌ بأنَّ نفوسهم وطبائعهم لا تقتضي غير الكفر والشرك، وأنها غير قابلة للإيمان أصلًا.
ومنها: قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (٧٢)} [الإسراء: ٧٢] فأخبر سبحانه أنَّ ضلالهم وعماهم عن الهدى دائم لا يزول، حتى مع معاينة الحقائق التي أخبرت بها الرسل، وإذا كان العمى والضلال لا يفارقهم، فإن موجبه وأثره ومقتضاه لا