للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يفارقهم.

ومنها: قوله تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) } [الأنفال: ٢٣] وهذا يدلك على أنَّه ليس فيهم خير يقتضي الرحمة، ولو كان فيهم خير لما ضيَّع عليهم أثره.

ويدل على أنَّه (١) لا خير فيهم هناك أيضًا قوله: "أَخْرِجُوا من النَّار من كان في قلبه أدنى مثقال ذرَّةٍ من خير" (٢) ، ولو كان عند هؤلاء أدنى أدنى مثقال ذرة من خير لخرجوا بها مع الخارجين.

قيل: لعمر اللَّه إنَّ هذا لمن أقوى ما يتمسك به في المسألة، وإن الأمر لكما قلتم، وإن العذاب يدوم بدوام موجبه وسببه، ولا ريب أنهم في الآخرة في عمى وضلال كما كانوا في الدنيا، وبواطنهم خبيثة كما كانت في الدنيا، والعذاب مستمرٌّ عليهم دائم ما داموا كذلك، ولكن هل هذا الكفر والتكذيب والخبث أمر ذاتي لهم زواله مستحيل، أم هو أمرٌ عارض طارئٌ على الفطرة قابل للزوال؟ هذا حرف المسألة، وليس بأيديكم ما يدلّ على استحالة زواله وأنَّه أمر ذاتي، وقد أخبر اللَّه سبحانه أنَّه فطر عباده على الحنيفية، وأنَّ الشياطين اجتالتهم عنها، فلم يفطرهم سبحانه على الكفر والتكذيب كما فَطَر الحيوان البهيم على طبيعته، وإنما فطرهم على الإقرار بخالقهم ومحبته وتوحيده.


(١) في "ب، ج، د، هـ" ونسخة على حاشية "أ": "أنَّهم".
(٢) البخاري رقم (٦١٩٢)، ومسلم (١٨٤) من حديث أبي سعيد مطوَّلًا.