للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط، قد عادوا حممًا، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة، يقال له: "نهر الحياة" فيخرجون كما تخرج الحِبَّة في حميل السيل، فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء اللَّه الذين أدخلهم اللَّه الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه".

فهؤلاء أحرقتهم النار جميعهم، فلم يبق في بدن أحدهم موضع لم تمسه النار، بحيث صاروا حممًا: وهو الفحم المحترق بالنار. فظاهر السياق أنَّه لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير، فإن لفظ الحديث هكذا: "فيقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقًا كثيرًا ثمَّ يقولون: ربنا لم نذر فيها خيرًا، فيقول اللَّه عز وجل: "شفعت الملائكة، وشفع النَّبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط".

فهذا السياق يدلّ على أن هؤلاء لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير، ومع هذا فأخرجتهم الرحمة.

ومن هذا رحمته سبحانه للذي أوصى أهله أن يحرقوه بالنار، ويذروه في البر والبحر زَعْمًا منه بأنَّه يفوت اللَّه سبحانه، فهذا قد شك في المعاد والقدرة، ولم يعمل خيرًا قط، ومع هذا فقال له: "ما حملك على ما صنعت؟ قال: خشيتك وأنت أعلم" (١) ، فما تلافاه أنْ رَحِمَهُ


(١) أخرجه البخاري رقم (٣٢٩١)، ومسلم رقم (٢٧٥٧) من حديث أبي سعيد =