فيها أخبارهم من ذكر أمة بعد أمة، إلا أن الواقع هنا من قصصهم أوقع في الزجر وأبلغ في الوعظ وأعرف في الإفصاح بسوء منقلبهم وعاقبة تكذيبهم، ثم ختمت كل قصة بقوله:" فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ " وتخلل هذه القصص قوله تعالى: "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر وهى إشارة إلى ارتفاع عذر من تعلق باستصعاب الوقوف على زواجره وتنبيهاته ومواعظه، ويدعى بعد ذلك استغلاقه إنه ميسر قريب المرام، وهذا فيما يحصل منه التنبيه
والتذكير لما عنه تكون الاستجابة بإذن الله، ووراء ذلك من المشكل والمتشابه ما لا يتوقف عليه ما ذكره، وحسب عموم المؤمنين الإيمان بجمعيه، والعمل بمحكمه، ثم يفتح الله تعالى ففي ذلك على من شرفه به وأعلى درجته فيبين له بحسب ما يشرح الله صدره "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ"
ومن تيسير المقصود المتقدم تكرار قصص الأنبياء مع أممهم في عدة سور
أيُّ حفظ منها أطلع على ما هو كاف في الاعتبار بهم، ثم إذا ضم ذلك بعضه إلى بعض اجتمع فيه ما لم يكن ليحصل من بعض تلك السور فسبحان من جعله حجة باهرة وبرهانا قاطعا على صدق الآي به، وصراطا مستقيما ونورا مبينا.
ولما ذكر سبحانه عواقب الأمم في تكذيبهم قال لمشركي العرب: "أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ"
ومن هذا النمط قول شعيب عليه الصلاة والسلام: "وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ.... الآية " (هود: ٨٩)
ثم قال تعالى:(أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥)
أي إنكم إن تعلقتم بتألفكم وجماعتكم فسأفرق ذلك بهزيمتكم يوم بدر، وقتل صناديدكم فما