تكرر ذلك فيها والله أعلم، أنها أعقبت بها السبع الطوال، وقد مر التنبيه
على أن سورة الأنعام بها وقع استيفاء بيان حال المتنكبين عن الصراط المستقيم على اختلاف أحوالهم، ثم استوفت سورة الأنعام ما وقعت الإحالة عليه من أحوال الأمم السالفة كا تقدم، وبسطت ما أجمل من أمرهم، ثم أتبع ذلك بخطاب المستجيبين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحذروا وأنذروا كشف عن حال من تلبس بهم من عدوهم من
المنافقين، وتم المقصود من هذا في سورة (الأنفال وبراءة) ثم عاد الخطاب إلى
طريقة الدعاء إلى الله والتحذير من عذابه بعد بسط ما تقدم، فكان مظنة لتأكيد التخويف والترهيب لإتيان ذلك بعد بسط حال وإيضاح أدلة، فلهذا كانت سورة يونس عليه السلام مضمنة من هذا ما لم يضمن غيرها، ألا ترى افتتاحها بقوله "إن ربكم الله ... الآيات، ومناسبة هذا الافتتاح دعاء الخلق إلى الله في سورة البقرة بقوله تعالى: "يا أيها الناس اعبدوا ربكم" (آية: ٢١) ، ثم قد نبهوا هنا كما نبهوا هناك فقال تعالى: "أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ"
ثم تأكدت المواعظ والزواجر والإشارات إلى أحوال المكذبين والمعاندين فمن
التنبيه "إن ربكم الله " إن في اختلاف الليل والنهار""قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ""قل انظروا ماذا في السماوات والأرض "
إلى غير هذا.
وعلى هذا السنن تكررت العظات والأغراض المشار إليها في هذه السورة إلى
فحصل من سورة الأعراف والأنفال وبراءة ويونس تفصيل ما كان أجمل فيما تقدمها، كما حصل مما تقدم تفصيل أحوال السالكين والمتنكبين، فلما تقرر هذا كله، أتبع المجموع بقوله:" كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ "