وقد كان تقدم قوله تعالى:"قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ"
فأتبع قوله تعالى:"قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ" بقوله في صدر سورة هود كتاب أحكمت آياته ثم فصلت "
فكأنه في معرض بيان الحق والموعظة، وإذا كانت محكمة مفصلة فحق لها أن تكون شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين، وحق توبيخهم في قوله تعالى: "بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ".
والعجب في عمههم مع أحكامه وتفصيله، ولكن. (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) .
فكل الكتاب حق وموعظة وذكرى، وإنما الإشارة والله أعلم بما أراد إلى ما تقرر الإيماء إليه من كمال بيان الصراط المستقيم، وملتزمات متبعيه أخذا وتركا، وذكر أحوال المتنكبين على شتى طرقهم واختلاف أهوائهم وغاياتهم وشرّهم إبليس فإنه متبعهم والقائل لجميعهم في أخبار الله تعالى سبحانه: "إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ"
وقد نسط من أمره وقصته في البقرة والأعراف ما يسر على المؤمنين الحذر منه وعرفهم به، وذُكِرَ اليهود والنصارى والمشركون والصابئون والمنافقون وغيرهم، وفصل مرتكب كل فريق منهم، كما استوعب ذكر أهل الصراط المستقيم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين، وفصل من أحوالهم ابتداء وانتهاء والتزاما وتركاً ما أوضح طريقهم وعين حزبهم