الَّذِي فِي زيادات الزّهْد لِابْنِ حَنْبَل، فَإِنَّهُ مُرْسل قوي الْإِسْنَاد، فَإِذا ضم إِلَى هَذِه الطَّرِيق الموصولة الَّتِي لَيْسَ فِيهَا واه وَلَا مُتَّهم حكم بحسنه بِلَا توقف.
الْفَصْل الثَّالِث
(١) [حَدِيثٌ] " قَالَ أَخِي مُوسَى يَا رَبِّ أَرِنِي الَّذِي كُنْتَ أَرَيْتَنِي فِي السَّفِينَةِ فَأَتَاهُ الْخَضِرُ وَهُوَ فَتًى طَيِّبُ الرِّيحِ حَسَنُ بَيَاضِ الثِّيَابِ مُشَمِّرُهَا، فَقَالَ السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ يَا مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ إِنَّ رَبَّكَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ قَالَ مُوسَى: هُوَ السَّلامُ وَإِلَيْهِ السَّلامُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّذي لَا أُحْصِي نِعَمَهُ وَلا أَقْدِرُ عَلَى أَدَاءِ شُكْرِهِ إِلا بِمَعُونَتِهِ ثُمَّ قَالَ مُوسَى أُرِيدُ أَنْ تُوصِينِي بِوَصِيَّةٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا بَعْدَكَ، قَالَ الْخَضِرُ يَا طَالِبُ الْعِلْمِ إِنَّ الْقَائِلَ أَقَلُّ مَلالَةً مِنَ الْمُسْتَمِعِ فَلا تُمِلَّ جُلَسَاءَكَ إِذَا حَادَثْتَهُمْ، وَاعْلَمْ أَنَّ قَلْبَكَ وِعَاءٌ فَانْظُرْ مَاذَا تَحْشُو بِهِ وِعَاءَكَ، وَاعْزِفْ عَنِ الدُّنْيَا وَانْبُذْهَا وَرَاءَكَ فَإِنَّهَا لَيْسَت لَكَ بِدَارٍ وَلا لَكَ فِيهَا مَحِلُّ قَرَارٍ، وَإِنَّمَا جُعِلَتْ بُلْغَةً لِلْعِبَادِ وَالتَّزَوُّدُ مِنْهَا لِلْمَعَادِ، وَرُضْ نَفْسَكَ عَلَى الصَّبْرِ تَخْلُصْ مِنَ الإِثْمِ، يَا مُوسَى تَفَرَّغْ لِلْعِلْمِ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُهُ فَإِنَّمَا الْعِلْمُ لِمَنْ تَفَرَّغَ لَهُ، وَلا تَكُنْ مِكْثَارًا، بِالْمَنْطِقِ مهذار فَإِنَّ كَثْرَةَ الْمَنْطِقِ تَشِينُ الْعُلَمَاءَ وَتُبْدِي مَسَاوِيَ السُّخَفَاءِ، لَكِنْ عَلَيْكَ بِالاقْتِصَادِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ التَّوْفِيقِ وَالسَّدَادِ، وَأَعْرِضْ عَنِ الْجُهَّالِ. وَبَاطِلِهِمْ، وَاحْلُمْ عَنِ السُّفَهَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ فِعْلُ الْحُكَمَاءِ وَزَيْنُ الْعُلَمَاءِ وَإِذَا شَتَمَكَ الْجَاهِلُ فَاسْكُتْ عَنْهُ حِلْمًا وَجَانِبْهُ حَزْمًا، فَإِنَّ مَا بَقِيَ مِنْ جَهْلِهِ عَلَيْكَ وَسَبِّهِ إِيَّاكَ أَكثر وَأعظم، يَا ابْن عِمْرَانَ وَلا تَرَى إِنَّكَ أُوتِيتَ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا فَإِنْ إِلَّا ندلاث والتعسف من الاقتحام والتكلف، يَا ابْن عِمْرَانَ لَا تَفْتَحَنَّ بَابًا لَا تَدْرِي مَا غَلْقُهُ وَلا تُغْلِقَنَّ بَابًا لَا تَدْرِي مَا فَتْحُهُ يَا ابْن عِمْرَانَ مَنْ لَا تَنْتَهِي مِنَ الدُّنْيَا نَهْمَتُهُ وَلا تَنْقَضِي مِنْهَا رَغْبَتُهُ كَيْفَ يَكُونُ عَابِدًا، وَمَنْ يَحْتَقِرُ حَالَهُ وَيَتَّهِمُ اللَّهَ فِيمَا قَضَى لَهُ كَيْفَ يَكُونُ زَاهِدًا أَيَكُفُّ عَنِ الشَّهَوَاتِ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ هَوَاهُ أَوْ يَنْفَعُهُ طَلَبُ الْعِلْمِ وَالْجَهْلُ قَدْ حَوَاهُ لأَنَّ سَعْيَهُ إِلَى آخِرَتِهِ وَهُوَ مُقْبِلٌ عَلَى دُنْيَاهُ، يَا مُوسَى تَعَلَّمْ مَا تَعَلَّمْتَ لِتَعْمَلَ بِهِ وَلا تَعَلَّمْهُ لِتُحَدِّثَ بِهِ فَيَكُونَ عَلَيْكَ بَوَارُهُ وَلِغَيْرِكَ نُورُهُ، يَا مُوسَى ابْن عِمْرَانَ اجْعَلِ الزُّهْدَ وَالتَّقْوَى لِبَاسَكَ وَالْعِلْمَ وَالذِّكْرَ كَلامَكَ وَاسْتَكْثِرْ مِنَ الْحَسَنَاتِ فَإِنَّكَ مُصِيبٌ السَّيِّئَاتِ، وَزَعْزِعْ بِالْخَوْفِ قَلْبَكَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُرْضِي رَبك واعمل خيرا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute