(٥٨) [حَدِيثُ] سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله يَقُولُ - وَأَقْبَلَ عَلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: يَا أُسَامَةَ عَلَيْكَ بِطَرِيقِ الْجَنَّةِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَخْتَلِجَ دُونَهَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَسْرَعُ مَا يُقْطَعُ بِهِ ذَلِكَ الطَّرِيقُ، قَالَ الظَّمَأُ فِي الْهَوَاجِرِ، وَكَسْرُ النَّفْسِ عَنْ لَذَّةِ الدُّنْيَا، يَا أُسَامَةُ عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ يُقَرِّبُ إِلَى اللَّهِ لَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ رِيحِ فَمِ الصَّائِمِ تَرَكَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَأْتِيَكَ الْمَوْتُ وَبَطْنُكَ جَائِعٌ وَكَبِدُكَ ظَمْآنُ فَافْعَلْ فَإِنَّكَ تُدْرِكُ شَرَفَ الْمَنَازِلِ فِي الآخِرَةِ وَتَحُلُّ مَعَ النَّبِيِّينَ وَتُفَرِّحُ الأَنْبِيَاءَ بِقُدُومِ رُوحِكَ عَلَيْهِمْ، وَيُصَلِّي عَلَيْكَ الْجَبَّارُ تَعَالَى، إِيَّاكَ يَا أُسَامَةُ وَكُلَّ كَبِدٍ جَائِعٍ تُخَاصِمُكَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَا أُسَامَةُ إِيَّاكَ وَدُعَاءَ عِبَادٍ قَدْ أذابوا اللحوم بالرياح والسموم وأظمأوا الأَكْبَادَ حَتَّى غُشِيَتْ أَبْصَارُهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهِمْ سُرَّ بِهِمْ، فَبَاهَى بِهِمُ الْمَلائِكَةَ، بِهِمْ تُصْرَفُ الزَّلازِلُ وَالْفِتَنُ.
ثُمَّ بَكَى النَّبِي حَتَّى اشْتَدَّ نَحِيبُهُ وَهَابَ النَّاسُ أَنْ يُكَلِّمُوهُ، حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ مِنَ السَّمَاءِ حَدَثٌ، ثُمَّ قَالَ: وَيْحٌ لِهَذِهِ الأُمَّةِ مَا يَلْقَى مِنْهُمْ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ فِيهِمْ كَيْفَ يَقْتُلُونَهُ وَيُكَذِّبُونَهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَطَاعَ اللَّهَ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالنَّاسُ يَوْمَئِذٍ عَلَى الإِسْلامِ قَالَ: نَعَمْ يَقْتُلُونَ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَأَمَرَهُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ، يَا عُمَرُ تَرَكَ الْقَوْمُ الطَّرِيقَ، وَرَكِبُوا الدَّوَابَّ وَلَبِسُوا اللَّيِّنَ مِنَ الثِّيَابِ، وَخَدَمَتْهُمْ أَبْنَاءُ فَارِسَ وَالرُّومِ، يَتَزَيَّنُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ زِينَةَ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا، وَتَتَبَرَّجُ النِّسَاءُ، زِيُّهُمْ زِيُّ الْمُلُوكِ، وَدِينُهُمْ دِينُ كِسْرَى هُرْمُزَ، يَتَسَمَّنُونَ يَتَبَاهَوْنَ بِالْجَشَّاءِ وَاللِّبَاسِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ، عَلَيْهِمُ الْعَبَاءُ مُنْحَنِيَةٌ أَصْلابُهُمْ، قَدْ ذَبَحُوا أَنْفُسَهُمْ مِنَ الْعَطَشِ، فَإِذَا تَكَلَّمَ مِنْهُمْ مُتَكَلِّمٌ كُذِّبَ، وَقِيلَ لَهُ أَنْتَ قَرِينُ الشَّيْطَانِ وَرَأْسُ الضَّلالَةِ، تُحَرِّمُ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ، تَأَوَّلُوا الْكِتَابَ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ، وَاسْتَذَلُّوا أَوْلِيَاءَ اللَّهِ، وَاعْلَمْ يَا أُسَامَةُ أَنَّ أَقْرَبَ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ طَالَ حُزْنُهُ وَعَطَشُهُ وَجُوعُهُ فِي الدُّنْيَا، الأَخْفِيَاءُ الأَبْرَارُ الَّذِينَ إِذَا شُهِدُوا لَمْ يُعْرَفُوا وَإِنْ غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا يُعْرَفُونَ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ وَيَخْتَفُونَ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ تَعْرِفُهُمْ بِقَاعُ الأَرْضِ وَتَحُفُّ بِهِمُ الْمَلائِكَةُ نَعِمَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا وَتَنَعَّمُوا هُمْ بِالْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَلَبِسَ النَّاسُ لَيِّنَ الثِّيَابِ وَلَبِسُوا هُمْ خَشِنَ الثِّيَابِ، افْتَرَشَ النَّاسُ الْفُرُشَ؛ وَافْتَرَشُوا الْجِبَاهَ وَالرُّكَبَ، ضَحِكَ النَّاسُ وَبَكَوْا، أَلا لَهُمُ الشَّرَفُ فِي الآخِرَةِ، يَا لَيْتَنِي قَدْ رَأَيْتُهُمْ، بِقَاعُ الأَرْضِ بِهِمْ رَحْبَةٌ، والجبار عَنْهُم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute