ثم ما المعنى بالنزول المنسوب إلى الله -تعالى- في الخبر الأول؟
قيل: المراد به: معنى يصح إضافته [إلى الله تعالى] يجب الإيمان به، وإن لم نعلمه مع نفي [التشبيه] والانتقال الذي هو من عوارض الأجسام؛ فإن لفظ "النزول" لا يختص بالانتقال؛ كما لا يفهم من قوله تعالى:{وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنْ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ}[الزمر: ٦] بل "النزول" لفظ مشترك في اللغة يطلق على الانتقال؛ كقوله تعالى:{وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً}[الفرقان: ٤٨] وبمعنى الخلق؛ كقوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَاسٌ شَدِيدٌ}[الحديد: ٢٥] وبمعنى الإعلام؛ كقوله:{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}[القدر: ١] و {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ}[الشعراء: ١٩٣] وبمعنى النزول كما يستحقه، وبمعنى القول؛ كقوله تعالى:{وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ}[الأنعام: ٩٣] أي: سأقول، وبمعنى الإقبال، وإذا كان اللفظ مستعملاً بمعان عديدة؛ فيتعين حمله على ما يصح في وصف الباري.
فمن ذلك الإقبال بالرحمة والعطف، ويحتمل أن يراد به ظهور فعله بأمره؛ فأضيف إليه؛ كقوله تعالى:{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَاتِيَهُمْ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنْ الْغَمَامِ}[البقرة:٢١٠]. قيل: معناه: أن يأتيهم عذاب الله، وهذا هو الأظهر، ويدل عليه الخبر [الأخير] الذي ذكرناه عن رواية النسائي.
وقد أفهم كلام الشيخ أنه لا يؤثر له قيام كل الليل، وبه صرح غيره.
وفي "المهذب" قال: إنه مكروه، وعليه دلت السنة؛ روى مسلم، عن عبد الله ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الله لا تكن مثل فلان؛ كان يقول الليل فترك قيام الليل"، وروى البخاري ومسلم عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: