وغسل الميت فرض على الكفاية، أي: على من علم بحاله من المسلمين؛ للإجماع، وقد روي أنه- عليه السلام- قال:"فرض على أمتي غسل موتاها، والصلاة عليها ودفنها" وقال- عليه السلام-[كما] رواه الشافعي مسنداً في المحرم الذي وقص به بعيره فاندقت عنقه-: "اغسلوه بماء وسدر" فخاطب الجميع به، وإذا فعله البعض لم يبق ما فعله الباقون؛ وهذا شأن فروض الكفايات، وإذا تركه من علم به أثموا جميعاً؛ لمخالفة الأمر، لكن هل يكون مأثم أقاربه الذين هم أولى بغسله من غيرهم أغلظ أم لا؟ فيه وجهان حكاهما الماوردي في كتاب السير حيث قال: فرض غسله يكون أولياؤه فيه أسوة غيرهم أم لا؟ على وجهين:
أحدهما: أن جميع المسلمين فيه أسوة؛ كقوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات: ١٠] فعلى هذا لا يجوز لمن علم بحاله من الأقارب أو الأجانب أن يمسكوا عنه حتى يقوم به أحدهم فيسقط فرضه عن جميعهم.
والثاني: أنهم أحق به من غيرهم، وإن لم يتعين فرضه عليهم فمأثم تركه منهم أغلظ؛ لقوله تعالى:{وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}[الأنفال: ٧٥] فعلى هذا يجوز للأجانب أن يفوضوا أمره إلى الأقارب، فإن أمسك عن فرضه الأقارب شاركهم في فرضه الأجانب.
ولو اجتمع أصناف من الأقارب فامتنعوا من الغسل، قال الإمام: فالوجه أن يقال: يختص بالحرج من يرى تقديمه عند فرض الزحمة، ثم لا يسقط الحرج عن غيره، بل لو عطله الأدنون والأقربون تعين على الأجانب القيام بذلك؛ فإنه فرض كفاية في حق الناس عامة، ولو لم يعلم بحال الميت إلا واحد- تعين فرضه عليه. ثم إن لم يكن ثم غيره تعين عليه القيام به، وإن كان ثم غيره فيكون فيما تعين عليه من فرضه بين خيارين: إما أن ينفرد بمواراته، أو يخبر به من يقوم بمواراته فيسقط فرض التعيين