اعلم أن الشهادة وثيقة تتم بالتحمل، وتستوفى بالأداء، فصارت جامعة للتحمل في الابتداء، والأداء في الانتهاء.
والدليل على فرضيتها في الحالتين قوله تعالى {وَلَا يَابَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا}[البقرة:٢٨٢]، أي: للتحمل، أو الأداء، كما قاله الحسن البصري.
فإن قلت: قد قال ابن عباس وقتادة والربيع: إذا ما دعوا للتحمل، وعلى هذا فما الدليل على الأداء؟
قلت: قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ}[الطلاق:٢]، أي: أدوا، وقوله تعال:{وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ}[البقرة:٢٨٣]، أي: فلا يجد حلاوة الطاعة، ومرارة المعصية، كما قيل في التفسير الذي حكاه القاضي والإمام، فلما نهى عن الكتمان وأثمه، دل على أن إظهارها واجب، وخص القلب بالإثم، لأنه محل العلم الذي لزمه إظهاره، وحرم عليه كتمانه، كمما في قوله تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ}[ق:٣٧].
فإن قلت: قد قال مجاهد وعطاء والشعبي: إذا ما دعوا لإقامتها وأدائها عند الحكام، وعلى هذا فما الدليل [على التحمل]؟
قلت: قوله تعالى: {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ}[البقرة:٢٨٢]، فإن ابن عباس قال في تفسيرها: لا يضر الكاتب والشهيد من يدعوه إلى تحملها بالامتناع من الإجابة، والاشتغال عنه بغيرها، كما نقله عنه البندنيجي.
وقال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ:[إن] الآية تدل على ذلك على القراءة برفع الراء، أما إذا قرئت بالنصب فإنها تدل على رفع الضرر من جهة الداعي، كذلك إذا حضر يدعو الكاتب والشاهد، فلا يلح عليه في الاستحضار،