قال: ولاية القضاء فرض؛ لقوله تعالى:{كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}[النساء: ١٣٥]؛ وقوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ}[المائدة: ٤٤] وفي أخرى {الظَّالِمُونَ}[المائدة: ٤٥] وفي أخرى {الْفَاسِقُونَ}[المائدة: ٤٧].
ولأن طباع البشر مجبولة على التظالم والتجاحد ومنع الحقوق وارتكاب متن العقوق، وقل من ينصف من نفسه، [والإمام لا يقدر على فصل كل الخصومات، وتحصيل كل [المطلوبات من القضايا] بنفسه]؛ فدعت الحاجة إلى إقامة من ينصف المظلومين من الظالمين؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:"لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ وَزَعَةٍ".
قال: على الكفاية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بَعَثَ عَلِيَّاً إِلَى اليَمَنِ قَاضِياً، وَاسْتَخْلَفَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيْدٍ عَلَى مَكَّةَ بَعْدَ الفَتْحِ وَالِياً وَقَاضِياً، وَقَلَّدَ مُعَاذاً قَضَاءَ بَعْضِ اليَمَنِ، وَقَلَّدَ دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ قَضَاءَ نَاجِيَةٍ، وَكَانَ يشبه بِجِبْرِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وكذلك الخلفاء الأربعة استخلفوا القضاة: فبعث أبو بكر أَنَساً إلى البحرين قاضياً، وبعث عمر أبا موسى الأشعري إلى البصرة قاضياً، وبعث عبد الله بن مسعود إلى الكوفة قاضياً، وعثمان قلد شريحاً القضاء، وعليَّ بعث عبد الله بن عباس إلى البصرة قاضياً وناظراً، فلو كان فرض عين لم يكف واحد.