ولا يصح التحمل إلا بما يقع به العلم، لقوله تعالى:{إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[الزخرف:٨٦] فشرط في الشهادة أن تكون بحق معلوم، فدل على أنها لا تجوز بحق غير معلوم، ولا أن تكون بمعلوم ليس بحق، وقوله تعالى:{وَلَا تَقْفُ}[الإسراء:٣٦] أي: لا تتبع، من قولهم: قفا فلان أثر فلان، إذا تبعه، ويقال: هو مقتف أثر فلان، وقاف أثره، {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[الإسراء:٣٦]، ومعنى ذلك: لا تقل في شيء بما لا تعلمه، فإن جوارحك شواهد عليك، كذا قاله أبو الطيب.
وفي ((البحر)): أن قتادة قال في تفسير هذه الآية: لا تقل: سمعت ولم تسمع، ورأيت ولم تر، وعلمت ولم تعلم. وهو قريب مما في ((الحاوي))، فإنه قال: الآية دليل على أنه يشهد بما علمه بسمعه، وبصره، وفؤاده، فالسمع للأصوات، والبصر للمرئيات، والفؤاد للمعلومات، فجمع في العلم بين جميع أسبابه، ليخرج من غلبة الظن إلى حقيقة العلم، وقد روي [عن] عطاء وطاوس عن ابن عباس قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الشهادة، فقال:((هل ترى الشمس [طالعة]؟ قال: نعم، قال:[على] مثلها فشاهد، أو فدع)).
ولأن الشهادة مشتقة من المشاهدة التي هي أقوى الحواس دركًا، وأثبتها علمًا، لم يجز أن يشهد إلا بأقوى أسباب العلم في التحمل والأداء، وهذا هو الأصل في الشهادة، وقد يلحق الظن بالعلم في بعض الصور، للحاجة كما ستعرفه.
قال-[رحمه الله- ولا يصح التحمل إلا بما يقع به العلم] فإن كان فعلًا: