كالزنى والغصب، لم يصح التحمل فيه إلا بالمشاهدة، أي: ولا يصح بالاستفاضة، لأن بالمشاهدة يصل إلى العلم به من أقصى جهاته، وما أمكن الوصول إلى علمه بالأقوى، لم يجز أن يشهد به إذا وصل إليه بالأضعف، لما ذكرناه من الأدلة السالفة.
ومن هذا القسم: الرضاع، والولادة، والاصطياد، والإحياء، وكون المال في يد الشخص، والقتل، والقطع، وشرب الخمر، والسرقة، واللواط، ونحو ذلك.
ويسمع في هذه الأشياء شهادة الأصم.
قال: وإن أراد أن يتعمد النظر إلى ما تحت الثياب، لتحمل الشهادة، جاز على ظاهر النص، لأن سعد بن عبادة قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلًا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال:((نعم))، فدل على أن للشهود أن يتعمدوا النظر إلى موضع الزنى.
قال الأصحاب: ولأن الذين شهدوا بزنى المغيرة بن شعبة تعمدوا النظر إلى فرج المغيرة والمرأة، ولم ينكر [ذلك عليهم] أحد، وهذا ما اختاره صاحب ((التلخيص))، وأبو إسحاق، وابن أبي هريرة، وهو مأخوذ من قول الشافعي:((وتقبل شهادة النساء فيما لا يجوز للرجل غير ذي المحارم أن يتعمدوا النظر إليه لغير شهادة))، فإن هذا يقتضي أنه يجوز تعمد النظر إليه للشهادة.
وقيل: لا يجوز، لأن الزنى مندوب إلى ستره، والعيوب التي تحت الثياب تقبل فيها شهادة النساء منفردات، فلا حاجة إلى تعمد النظر إلى العورات، هذا قول أبي سعيد الإصطخري، واختاره في ((المرشد))، وقال: إن الذين شهدوا على المغيرة وقع بصرهم عليه اتفاقًا.
وقيل: لا يجز في غير الزنى- أي: كالرضاع، والعيوب، ويجوز في الزنى، والفرق: أن الزانيين هتكا حرمة أنفسهما، وليس كذلك المرضعة وذات العيب.
ولأن شهادة النسوة تقبل فيما عدا الزنى، فلا حاجة بنا إلى تعمد الرجال العورات لأجله، ولا كذلك الزنى، فإن شهادة النسوة لا تقبل فيه، فلو لم نجز