أورد الشيخ- رحمه الله- في هذا الباب ما يتعلق به الحنث، وما يحصل به انحلال اليمين، وهو الركن الثالث، كما ذكرناه.
والحنث في أصل اللغة: الإثم والحرج، ويطلق- أيضاً- بمعنى "الميل"، والمراد به ها هنا: نقض اليمين والرجوع عنها.
قال- رحمه الله- إذا قال: والله لا سكنت داراً، وهو فيها، وأمكنه الخروج منها، فلم يخرج- حنث؛ لأن اسم "السكنى"[يقع] على الابتداء والاستدامة؛ ألا ترى أن القائل يقول: سكنت الدار شهراً؟! وإذا كان الاسم يتناول الجميع حنث؛ لوجود المخالفة.
ولا فرق في ذلك بين أن يطول مكثه بعد اليمين أو لا، ولا بين أن يخرج أهله وأثاثه ويبقى وحده أو لا.
واستدل الماوردي في كتاب العدد على أنه إذا نقل قماشه وأقام، يسمى ساكناً بقوله- تعالى- حكاية عن إبراهيم:{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ} الآية [إبراهيم: ٣٧]؛ فأخبر بإقامتهم مع خلوهم من مالهم ورحلهم؛ فثبت أن الاعتبار بالبدن دون الرحل والمال.
ولو لم يتمكن من الخروج؛ لقيد أو حبس أو زمانة، ولم يجد من يحمله- لم يحنث، وكذا لو خاف على نفسه أو ماله.
وخرج أبو علي بن أبي هريرة قولاً في الصور الأول: أنه يحنث من الناسي، قال الماوردي: وليس بصحيح.
وحكى الرافعي الخلاف فيما إذا مرض، وعجز بعد الحلف، وجعله كالمكره، وكذلك البغوي.
ولو وجد الزمن من يخرجه، فلم يأمره بإخراجه- حنث.
والمقام لجمع القماش، ونقل الأهل، ولبس ثياب الخروج يحصل به الحنث عند العراقيين، وحكى الإمام عنهم القطع به.