والجنايات، أي: على النفس والطرف "ثلاثة: خطأ، وعمد، وعمد خطأ"، أي: ثلاثة أنواع؛ لأنه أثبت الهاء في الجمع. ودليل حصرها: أن الذي حصلت منه الجناية إما [أن] يقصد بها عين المجني عليه أو لا: فإن لم يقصد فهو الخطأ، وإن قصده فإن كان بما يقتل غالباً فهو العمد، وإلا فعمد الخطأ.
قال:"فالخطأ: أن يرمي إلى هدف، فيصيب إنساناً"، وهكذا ذكره القاضيان أبو الطيب والحسين في باب الديات، وقد قيل: إن هذا ليس حد الخطأ؛ بل حده: ما لا يقصد فيه الشخص، ومثاله ما ذكره الشيخ، أو ما لا قصد فيه إلى الفعل، ومثاله: إذا زلق، فوقع [على] إنسان فاتلفه. وما ذكره هذا القائل: من أن ما ذكره الشيخ ليس بحد الخطأ - صحيح؛ لأن الحد إما كامل وهو المشتمل على ذكر الجنس والفصل، أو ناقص وهو المقتصر فيه على ذكر الفصل، ولا جنس ولا فصل - فيما ذكره الشيخ - لكنا نقول: لم يذكره الشيخ حدًّا، وإنما ذكره تعريفاً، واقتصر عليه؛ لدلالته على ما عداه من طريق الأولى؛ لأن فيما ذكره وجد منه قصد الفعل، ولم يؤثر في إيجاب قصاص ولا تغليظ؛ فعدم قصد بذلك أولى، على أني أقول: من زلق، فوقع على إنسان، فتلف به - لا أعد ذلك جناية منه، فضلاً عن كونه خطأ؛ لأن الجناية مصدر: جنى يجني جناية، والخطأ بالهمز مصدر: أخطأ يخطئ إخطاء وخطأ، ومن زلق لا اختيار له؛ فلا فعل منه حقيقة حتى يقال: جنى، أو: أخطأ، لكنا نجعل حكم فعله حكم الخطأ؛ لقربه منه، وبعده عن غيره.