لأن ما بين الجلستين محل الجلوس، بخلاف ما لو جلس بعد الرفع قائماً من الركوع وقبل السجود؛ فإنه يسجد؛ لأنه ليس بمحل الجلوس؛ إذ لا جلوس بعد الركوع.
قلت: وهذا مناقض لما حكيناه عنه وغن غيره في الفرع قبله، إلا أن يقال: الجلوس ثم ليس بركن في الصلاة، وهاهنا هو ركن أو بعض ركن؛ فقوي.
ثم قياس ما قاله القاضي هنا: أنه إذا فعل ذلك عمداً أن تبطل صلاته؛ لأن قاعدتهم: أن ما اقتضى السجود سهوه أبطل عمده الصلاة؛ كما تقدم، وبالعكس. نعم، لو لم يطل لا تبطل، وقد قال الإمام: إنه لو جلس من قيام لما انتهى إلى السجود جلسة خفيفة لم يشغلها بذكر، لا تبطل صلاته؛ لأن الجلوس في الصلاة يعهد غير ركن: كجلسة الاستراحة، والتشهد الأول؛ فلا تبطل الصلاة بزيادته على وجه لا يظهر في الصلاة، وبهذا خالف بزيادة قيام أو ركوع أو سجود؛ فإنه لا يعقل في الصلاة إلا ركناً؛ فزيادته زيادة ركن؛ فأبطل وإن كان فعلاً قليلاً.
وحكى عن الشيخ أبي علي أنه صرح عند إتيانه بالتشهد في هذه الجلسة بمثل ما حكيناه عن القاضي احتمالاً، والله أعلم.
قال: وإن فعل ما لا يبطل عمده الصلاة، أي: سهواً، كالالتفات، والخطوة والخطوتين- لم يسجد للسهو؛ لأنه إذا عفي عن عمده لكثرة جنسه، وعسر الاحتراز منه- فسهوه أولى، وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم الفعل اليسير في الصلاة، ورخص فيه، ولم يسجد للسهو، ولا أمر به.
ومن هاهنا تؤخذ قاعدة قررها الأصحاب في الباب: أن ما لا يبطل الصلاة ارتكابه من المنهيات على وجه العمد لا يقتضي السجود سهوه، ولم يستثن من ذلك إلا قراءة الفاتحة أو غيرها في غير المحل؛ كما تقدم حكايته عن