الثاني: لو كان يقدر على الصلاة قائماً على الأرض، ولا يقدر على ذلك في المركب؛ لأجل دوار يعتريه؛ بسبب ذلك - لا يمنع من ركوبها، وبصلي قاعداً؛ قاله في التتمة، وكذا ابن الصباغ في باب موقف الإمام والمأموم.
والمفهوم من لفظ القيام: الانتصاب، وكلام الشيخ الذي اتبع فيه الخبر يوهم أنه متى عجز عنه، جاز أن يصلى قاعداً، سواء قدر على دونه أو لا، وهو وجه حكاه قي "التهذيب"، [لكنه] خلاف ما نقله الأصحاب؛ فإن الإمام قال: إنه إذا قدر على القيام على انحناء وجب.
ولو لم يقدر على الارتفاع من حد الراكعين، فالذي دل عليه كلام الأئمة أنه يقعد، ولا يجزئه غير ذلك؛ فإن حد الركوع مفارق لحد القيام وحكمه، وهو أيضاً هيئة ركن في نفسه، بخلاف هيئة القائمين، [و] لو عجز عن الانتصاب على قدميه، وقدر على الانتهاض على ركبتيه، فقد كان شيخي يتردد في وجوبه، وهو محتمل من جهة أن هذا لا يسمى: قياماً.
والذي حكاه الماوردي: أنه متى قدر على قيام ما، وجب عليه الإتيان [به] حتى لو لم يقدر إلا على حد الراكعين، أتى به؛ فإذا أراد الركوع، خفض قليلاً، وهكذا حكاه الرافعي عن العراقيين، والمتولي، والبغوي، [و] قال: إنه المذهب. وهو الذي حكاه ابن كج عن نص الشافعي.
ووجه الأصحاب أنه - عليه السلام - لما قال:"صل قائماً؛ فإن لم تستطع، فقاعداً؛ فإن لم تستطع، فعلى جنب" علم أن الحالات المتوسطة أولى مما هي دونها؛ لأنها أقرب إلى الأصل؛ فلا يعدل عنها إلى الأبعد، وعلى هذا يتعين حمل كلام الشيخ على مطلق قيام، لا على القيام الذي يجب عند القدرة.
وقد اعترض بعفهم على علة الأصحاب؛ فقال: الشرع أمر بإيقاع العبادة في الأحوال العادية؛ لتكون على سكون وطمأنينة، وحال الهوى ليس حال استقرار؛ فلا يلحق بما ورد فيه النص، ولا يلزم من كونه أقرب إلى القيام أن يعطى حكمه؛ كما [لم] يلزم أن يعطى المسح على الأعضاء حكم الوضوء، وإن كان أقرب إلى