قال: وإن كان للبلد الذي يقصده طريقان، يقصر في أحدهما، ولا يقصر في الآخر، فسلك الأبعد لغير غرض-[أي: غير القصر]- لم يقصر في أحد القولين؛ لأنه طول الطريق على نفسه من غير غرض؛ فصار كما لو سلك الطريق القصير، وكان يذهب يميناً وشمالاً، ويطول على نفسه حتى بلغت المسافة مرحلتين؛ فإنه لا يترخص وفاقاً، وهذا ما نص عليه في "الأم"، واختاره أبو إسحاق.
قال: ويقصر في [القول] الآخر؛ لأنه سفر مباح تقصر الصلاة في مثله؛ فجاز له القصر، [كما لو] لم يكن له طريق سواه، وقصده الترخص غرض صحيح؛ فإن الله – تعالى- يحب أن تؤتي رخصه كما [يحب أن] تؤتي عزائمه، ويخالف المشي في المسافة طولاً وعرضاً؛ لأنه لا يصل به إلى محل قصده؛ وهذا ما نص عليه في "الإملاء"، واختاره المزني، وقد صححه الماوردي وتبعه في "المرشد".
لكن الجمهور على ترجيح الأول. وقول المنتصرين للثاني: إنه سفر مباح- ممنوع، بل هو محظور؛ لقوله – عليه السلام-: "إن الله يبغض المشائين في الأرض من غير أرب"؛ كذا قاله القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهما.
واستدل الصيدلاني على حظره بأن من كان يركض فرسه من غير غرض، ورياضة، ورعاية أدب معلوم- عاص بإيذاء دابته، وإذا كان كذلك، فلأن يكون عاصياً بإيذاء نفسه من غير غرض أولى.
وحكى الإمام والقاضي الحسين طريقة ثانية، حاملة للنصين على حالين؛ فحيث قال: يقصر، أراد [إذا كان له غرض ظاهر في سلوك أبعد الطريقين، وحيث قال: لا يقصر، أراد:] إذا لم يكن له غرض ظاهر.
ولا خلاف في أنه إذا سلك الأقرب: أنه لا يقصر، وفيما إذا سلك الأبعد؛