القيام- قضاها قاعداً، وكذا عكسه، وقد حكاه الماوردي عن بعض الأصحاب، وغلطه فيه، ولم أره لغيره، بل جزموا بالمنع، وفرقوا بين ذلك وبين المرض بأن المرض ليس إليه، وكذا إزالته، وهو معرض أن تخترمه المنية في كل ساعة، فلو كلفناه التأخير حتى يزول المرض، ويقدر على القيام ربما مات؛ فتبقى ذمته مرتهنة بالصلاة، بخلاف ما نحن فيه؛ فإن إتمام الصلاة في مقدوره، والسفر إليه، وبعضهم فرق بأن القصر رخصة، وليس كذلك الصلاة قاعداً، ومن ثم قلنا: لو افتتح الصلاة قائماً، ثم عجز عن القيام- جلس، ولو افتتح الصلاة في الحضر، ثم سافر- أتم.
فإن قيل: لو أفطر في رمضان في الحضر، ثم سافر، وشرع في القضاء- كان له الفطر فيه؛ كما كان له في الأداء الفطر إذا وقع في السفر، فهلا كان ها هنا مثله؟!
قلنا: إن كان فطره في الحضر بغير عذر، فلأصحابنا فيه وجهان:
أصحهما- كما قاله البندنيجي وغيره-: أنه ليس له الفطر، وعلى هذا فلا فرق بينهما.
والثاني: له الفطر؛ كما لو كان الفطر في الحضر بعذر.
وعلى هذا: فالفرق ما سبق: أن القصر غير مضمون بالقضاء، بخلاف الصوم، ثم الفوات الموجب لفعل الصلاة تماماً في السفر، يحصل بخروج كل الوقت وهو مقيم، ثم يسافر، وهل يحصل بخروج أكثره بحيث لم يبق منه ما يسع كل الصلاة؟ فيه خلاف ينبني على أن من فعل بعض الصلاة في الوقت، وباقيها خارج الوقت هل توصف كلها بالأداء أو بالقضاء، أو ما وقع منها في الوقت أداء، وما وقع خارجه قضاء؟ فيه خلاف مر، والصحيح- كما قاله البندنيجي هنا، وغيره-: الأول، فإن قلنا به لم يتحقق الفوات، وجاز له القصر إذا سافر وقد بقي من الوقت ما يسع ركعة، وعليه نص الشافعي، كما قال القاضي الحسين، وإن قلنا بما عدا الأول، فقد تحقق الفوات، ولزمه الإتمام، ومحل ذلك- بالاتفاق- إذا كان المدرك في الوقت ركعة تامة، أما إذا كان دونها فقد ادعى المتولي أنه لا خلاف في أن الكل قضاء، وقضيته: أن يلزمه الإتمام قولاً واحداً،