الصحيح أنه يعصى؛ فإنه لو لم يعص لما انتهى الحج إلى حقيقة الوجود، فإن خاصة الوجوب ما يعصي بتركه، والصلاة المؤقتة إفضاء الأمر فيها إلى المعصية، بأن يبقى المكلف حتى ينقضي الوقت عليه، وهو غير معذور.
وقد حكى في "التتمة" القولين منصوصين، وعزى الثاني إلى نصه في القديم، والجمهور على ما نص عليه في الجديد، وفرقوا بين ما نحن فيه وبين ما إذا حاضت المرأة أو جنت بأنا لو لم نوجب على الحائض والمجنونة القضاء لخرج أول الوقت عن أن يكون وقتاً لوجوب الصلاة، والصلاة- عندنا- تجب بأول الوقت، وليس كذلك إذا قلنا: لا يجب على المسافر الإتمام؛ فإنه لا يؤدي إلى أن نكون قد أخرجنا أول الوقت عن أن يكون الوجوب متعلقاً به؛ لأنا قد أوجبنا به الصلاة المقصورة.
وفرق بعضهم بأن ما تدركه الحائض والمجنونة بالإضافة إلى الإمكان كأنه كل الوقت؛ إذ لا تقدر على الفعل بعد الحيض والجنون، بخلاف المسافر.
ويرجع حاصل ما ذكرناه إلى ثلاثة أوجه، وقد حكاهما القاضي أبو الطيب:
أحدها: لا يلزم الحائض والمجنونة الصلاة، ولا [يلزم] المسافر الإتمام.
[والثاني: يلزمهم ذلك، وهي طريقة ابن سريج.
والثالث: يلزم الحائض والمجنونة الصلاة، ولا يلزم المسافر الإتمام،] وهي الطريقة الصحيحة.
قال الأصحاب: وإذا قلنا بأنه إذا سافر وقد بقي من الوقت ما يسع [أربع ركعات: أنه لا يلزمه الإتمام، وإذا سافر وقد بقي من الوقت] ما يسع ركعة أنه يلزمه الإتمام- فلو سافر، وقد بقي من الوقت ما يسع ركعتين، والسفر مما تقصر فيه الصلاة: فهل له القصر؛ لأنه قد بقي من الوقت قدر صلاة مقصورة، أو يلزمه الإتمام؛ لأنه كان يجب عليه أن يحرم بها في السفر؟ فيه خلاف، المنسوب منه إلى أبي علي بن أبي هريرة الأول، والصحيح في "تلخيص الروياني" الثاني.
ولا خلاف في أنه إذا سافر قبل أن يمضي من الوقت ما يمكن إيقاع جملة [الصلاة] فيه، [ثم سافر]: أنه لا يلزمه الإتمام. قال الماوردي: إلا على قياس