والثاني: أن أول الصلاة أكمل من آخرها؛ لما تضمنته من قراءة السورة بعد الفاتحة، فلما اختصت الأولى بأكمل الطرفين، وجب أن تختص بأكمل البعضين، وهذا ما نص عليه في "الأم"، ولفظه فيه- كما قال الروياني في "تلخيصه"-: "فإن صلى بالطائفة الأولى ركعة، وبالثانية ركعتين، أجزأه- إن شاء الله تعالى- وأكره له ذلك".
وقد نقله في "المختصر"، وهو الأصح في "المهذب" وغيره، وحكى الروياني طريقة قاطعة به، ولم يحك الماوردي، والقاضي الحسين، والغزالي في "الوجيز"، وكذا صاحب "الكافي" غيرها، وعلى هذا: متى تفارقه الطائفة الأولى؟ قال الجمهور: إنها تفارقه بعد التشهد، وهل الأولى أن ينتظر الإمام الثانية جالساً أو قائماً؟ فيه قولان، أصحهما: الأول.
وقال البندنيجي: في وقت المفارقة قولان ينبنيان على أن الإمام ينتظر الطائفة الثانية في هذه الصورة قائماً أو جالساً، وفيه قولان نص عليهما في "الإملاء":
أحدهما: قائماً، وهو ما نقله المزني، وعليه نص في "الأم"، ولفظه:"فإن انتظرهم قائماً فحسن، وإن ثبت جالساً، وأتموا لأنفسهم- فجائز، ووجهه: أن القيام في الصلاة أفضل من القعود فيها، ولأن القيام مبني على التطويل، والجلوس [للتشهد] الأول مبني على التخفيف؛ كان جلوس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه كالجالس على الرضف- وهي الحجارة المحماة – فعلى [هذا] تفارقه بعد القيام.
والثاني: ينتظرها جالساً؛ لأنه إذا فعل ذلك أدركت معه تمام القيام، وإذا انتظرهم قائماً فاتهم معه بعض القيام، فعلى هذا: يحرمون وهو جالس، فإذا كبر لقيامه كبروا معه بعد إحرامهم تبعاً له، قاله الماوردي والبندنيجي. وعلى هذا: تفارقه الأولى بعد التشهد.
وقد نسب ابن الصباغ إثبات الخلاف في أنه ينتظرها قائماً أو جالساً إلى أبي حامد، وقال: إنه ليس بصحيح؛ بل هما على السواء، وقد دل على ذلك نصه في "الأم".