للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أفهمك ما قدمناه من بيان ما احترز عنه الشيخ بكلامه في الفصل قبله، ومثله جار هاهنا، وبه صرح الأصحاب، غير أن في "الحاوي" في كتاب الزكاة أن المرأة لو اتخذت ملبوساً- لم تجر عادة النساء به مما يلبسه عظماء الفرس- كان محظوراً، وكذا لبس نعال [الفضة والذهب]، وأن في جواز لبس الثياب المثقلة بالذهب المنسوجة به لها- وجهين، ووجه المنع بأن فيه كثرة إسراف وخيلاء، وقد ذكرنا طرفاً من ذلك ثم، فليطلب منه.

قال: إلا أن يكون قد صدئ، [أي]: فلا يحرم؛ لزوال علة التحريم. وهذا الاستثناء يجوز أن يعود إلى المموه بالذهب والمنسوج به؛ لأن الشيخ أبا حامد قال: لو كان في الثوب ذهب فصدئ، وتغير، بحيث لا يبين- لم يحرم، والمموه من طريق الأولى، ون القاضي أبي الطيب أنه قال: إن الذهب لا يصدأ، وأجيب بأنه يصدأ إذا كان مشوباً بغيره. قال البندنيجي: وقد ألحق أصحابنا بهذا الطراز من الذهب إذا حال لونه واتسخ، وذهب حسنه. قال الماوردي: وكذا إذا طلي الذهب بغيره حتى لم يظهر، جاز لبسه.

وصدئ: بفتح الصاد، وكسر الدال، وبعدها همزة، قال أهل اللغة: صدأ الحديد: وسخه، مهموز، وقد صدئ يصدأ، [صدأ] مهموز ومقصور. قال النواوي: وقد رأيت من غلط فيه، فتوهمه غير مهموز.

قال: ويجوز للمحارب لبس الديباج الثخين الذي لا يقوم غيره مقامه في دفع السلاح، ولبس المنسوج بالذهب، إذا فاجأته الحرب ولم يجد غيره.

اعلم أن الشرط الذي ذكره الشيخ، وهو قوله: "إذا فاجأته الحرب ولم يجد غيره"، يجوز أن يكون الشيخ أراد عودة إلى المسألتين؛ عملاً بالقاعدة المستقرة عندنا أن الشرط إذا تعقب جملاً عاد إلى جميعها، وهو ما نقله المزني؛ حيث اعتبر في لبس الحرير أن تفاجئه الحرب، ولا يجد غيره، وكذلك في لبس المنسوج بالذهب؛ إذ بذلك تتحقق الضرورة، وعلى ذلك جرى صاحب "الحاوي"، والبغوي، ولفظ "الوسيط" هاهنا قد يفهمه؛ لأنه قال: لبس الحرير وجلد الكلب جائز عند مفاجأة القتال، وليس جائزاً في حال الاختيار.

<<  <  ج: ص:  >  >>