ووجهه- قبل إجماع من قبله ومن بعده- من الكتاب: قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ}[الجمعة: ١٠]، فأباح الانتشار بعد انقضاء الصلاة، وقد ثبت أن الخطبتين شرطان فيها، ولو كانتا بعد الصلاة، لما جاز الانتشار بعد الصلاة؛ فتعين أن تكونا قبلها، وعلى ذلك جرى فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وفرق الأصحاب بين الخطبتين في الجمعة، وبين الخطبتين في العيد حيث كانتا فيه بعد الصلاة، وكذا سائر الخطب- بفرقين:
أحدهما: أن خطبة الجمعة واجبة؛ فقدمت؛ ليجلس الناس لسماعها قبل الصلاة؛ فلا ينتشروا قبل ذلك، وخطبة العيد ونحوها غير واجبة، فإذا انتشر الناس عنها، لم يقدح فيها.
والثاني: أن الجمعة لا تؤدي إلا في جماعة مرة واحدة، ولا تقضي؛ فقدمت الخطبة عليها؛ ليمتد الوقت، ويلحق الناس الصلاة، وصلاة العيد تؤدي من غير جماعة.
وكما يشترط وقوعهما قبل الصلاة يشترط وقوعهما بعد الزوال أيضاً؛ لأنه- عليه السلام- كان يخطب يوم الجمعة بعد الزوال، ولو جاز التقديم لقدمهما صلى الله عليه وسلم؛ تخفيفاً على المبكرين، وإيقاعاً للصلاة في أوّل الوقت.
قال: ومن شرطهما الطهارة، أي: عن الحدث والخبث المشترطين في الصلاة، والستارة، [أي:] المشترطة في الصلاة في أحد القولين.
هذا الفصل ينظم حكمين:
أحدهما: الطهارة من الحدث والخبث هل شرط فيهما أو لا؟ وقد حُكي فيها قولان:
أحدهما: نعم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب، ويصلي من غير فاصل؛ فعلم أنه كان يخطب على طهارة، وإذا كان كذلك، وجب إتباعه؛ لما تقدم من التقرير؛ وهذا ما نص عليه في "الأم".