للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الفوراني: وهذا الغرض هو مقصود الخطبة، والحمد والصلاة وإن وجبا وفاقاً [فهما] في حكم الذريعة إليه.

قال الإمام: ولا أصل لهذا الكلام ولا فائدة فيه، مع إيجاب الجميع، ولا يتعين للوصية ذكرٌ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نوعها لينبه على عدم تعين نوع منها، وهل يتعين لفظ الوصية؟ فيه وجهان، أصحهما في "تعليق" القاضي الحسين: لا، وهو المذكور في "الإبانة".

والفرق بين ذلك وبين كلمات التشهد: أن مقصود الخطبة الاتِّعاظ، فلو التزم فيها شيئاً واحداً، أنس الناس به؛ لتكرره على مسامعهم، وذلك يوشك ألا يحصل فائدة الوعظ؛ فإن النفوس مجبولة على قلة الاكتراث بالمعادات، لكن اتفق الأصحاب على أن الخطيب لو لزم شيئاً واحداً، أجزأه؛ لأنه قد يحضره من لم يسمع ذلك، ويغيب من سمعه؛ فيحصل المقصود.

ثم الوصية بتقوى الله تعالى؛ لجمعها الأمر بإتيان المأمورات، واجتناب المحرمات، وفي أحدهما إشعار بالثاني، فيكتفي بأحدهما؛ كذا قاله الإمام.

وفي "الوسيط": أن الشافعي قال ذلك، واستشهد به على أن فرض ذلك يسقط بقوله: أطيعوا الله.

وقال الإمام: إن كلام الأئمة مؤذنٌ بأنه لو اقتصر على قوله: أطيعوا الله، واجتنبوا معاصيه- كفى؛ لصدق الاسم. ولكني لم أر هذا القول من أبواب المواعظ التي تنبِّه الغافلين، وتستعطف القلوب الأبية العصية إلى مسالك البر والتقوى، وإن كان المتبع مسالك الأوّلين في العُصُر الخالية فالغرض فضل مجموع نهر، ويقدر واقعاً من السامعين موقعاً.

وقد بالغ الشافعي في الإتباع حتى أوجب الجلوس بين الخطبتين، وليس يليق بمذهبه أن يجعل قول الخطيب: الحمد لله، والصلاة على رسول الله، أطيعوا الله- خطبة تامة.

وقد قال في "الوسيط": إن ذلك يكفي فيها.

ثم قال الإمام: وقد ذكر الشافعي لفظ الوعظ في "الإملاء"، وفيه إشعار بما

<<  <  ج: ص:  >  >>