قال الإمام: ولم أر من [ترك] عدَّه من الواجبات إلا صاحب "التلخيص"، ولا يحمل سكوته عنه على غفلة؛ فإن المقصود الأظهر من كتابه الحصر والعدد والاستثناء، وقد ظهر وفق قوله في "الإملاء"؛ فإنه عدّ الأركان ولم يذكر الدعاء، ولو تأمل الناظر مقصود الخطبة ألفاه راجعاً بعد ذكر الله وذكر رسوله إلى حمل الناس على مراشدهم بالموعظة في كل جمعة، وهذا ليس ما قاله بعض المصنفين.
وأما الدعاء: فلا يبعد خروجه عن الأركان، ولكن هذا غريب.
وهذا مجموع ما وقفت عليه مما قيل في ذلك.
وقد أفهم ما حكيته من نص الشافعي في "المختصر": أنه لو اقتصر الخطيب على الإتيان بالقراءة في الخطبة، وقرأ محل كل ركن من الأركان [آية] مشتملة على المعنى المطلوب- لا يجزئه ذلك، وبه صرح الشيخ أبو محمد.
وقال الإمام: إنه مقطوع به في المذهب؛ فإن ما جاء به لا يسمى خطبة.
نعم، لو أوقع القراءة مقام ركن واحد: كما إذا أوقع التحميد آيةً، فليس يمتنع ذلك، وكذا لو أوقع الوعظ آية أو آيات مشتملة على مواعظ، وقد نص عليه الشيخ أبو محمد.
قال الإمام: ولكن لا ينبغي أن تحسب القراءة وعظاً، ويعتد بها عن جهة القراءة أيضاً؛ فإن ذلك لا يليق بمذهبنا. وأبدى احتمالاً في اشترط إيقاع الوعظ ذكراً، لمأخذ لم أره قويّاً؛ فلذلك لم أذكره.
واعلم أن بعض الأصحاب عدّ من أركان الخطبة رفع الصوت فيها.
وقال آخرون: إن ذلك مستحب، [وعليه ظاهر نصه في "المختصر"، وليس ذلك باختلاف في المسألة، بل مراد من قال: إنه مستحب]، أن يبالغ فيه حتى يسمع كل من في المسجد إن أمكن، وإلا فقدر طاقته؛ لما تقدم أنه- عليه السلام- كان إذا خطب علا صوته، وقد صرح بذلك البندنيجي.