وقد استخرج صاحب "التقريب" من كلام الأصحاب- كما حكاه الإمام عنه- أن الثوب الواحد السابغ يظهر فيه رعاية حق الله- تعالى- فلا يجوز الاقتصار على ما يستر العورة إلا إذا لم يجد سابغاً فيضطر إلى الاكتفاء به. وأما الثلاث في حق الغرماء والورثة، [و] في حق بيت المال فهي متعلقة برعاية حق المتولي في نفسه. ثم حقق هذا بأن قال: لو أوصى الميت بألا يكفن إلا في ثوب واحد، كفى الثوب السابغ؛ فإنه بوصيته رضي بإسقاط حقه، ولو قال: رضيت بأن يقتصروا على ما يستر عورتي، فلا أثر لوصيته في ذلك، ويجب تكفينه في ثوب سابغ لجميع بدنه.
قال الإمام: وهذا الذي ذكره في غاية الحسن، وقال: إنه احتج عليه بما روي [أن] أبا بكر الصديق- رضي الله عنه- قال:"إذا مت فكفنوني في ثوبي الخلق؛ فإن الحي أولى بالجديد من الميت"، فنفذت وصيته.
قلت: وهذا من صاحب "التقريب" يدل على أن التكفين في الجديد حق للميت؛ لأنه جعل تكفين أبي بكر في ثوبه الخلق بحكم وصيته، وقد أشرت إلى هذا من قبل، ثم في جزم صاحب "التقريب" بعدم نفوذ وصيته في الاقتصار على ستر العورة، فيه نظر؛ فإنا قد حكينا عن الشافعي أنه قال: إذا غطي من الميت قدر عورته فقد سقط الفرض، ولكن أخل بحق الميت. وهو يدل على أن ما زاد على ستر العورة حق الميت؛ فينبغي أن تنفذ وصيته فيه كما تنفذ في الثوبين، والله أعلم.
فرع: الملك في الكفن لمن يكون إذا كفن من ماله؟ فيه ثلاثة أوجه حكاها