وقوله:"إنما الصبر عند الصدمة الأولى" يعني: الصبر الذي يشق ويعظم تحمله ومجاهدة النفس عليه، ويؤجر عليه الأجر الجزيل عند وقوع المصيبة وهجومها، وأما بعد الصدمة الأولى وبرد المصيبة، فكل أحد يصبر حينئذ ويقل جزعه.
وروى البخاري عن أسامة بن زيد قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أن صبياً لها- أو ابناً لها- في الموت؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ارجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى؛ فلتصبر ولتحتسب"، فعاد الرسول فقال: إنها قد أقسمت لتأتينها، فقام- عليه السلام- وقام معه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل، وانطلقت معهم، فرفع إليه الصبي ونفسه تقعقع كأنها [في] شنة؛ ففاضت عيناه، فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال:"هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء"، والقعقة: ها هنا صوت نفسه وحشرجة صدره، ومنه قعقعة الجلود والسلاح، وهي أصواتها، ألا ترى إلى قوله "كأنها [في] شنة" فشبه صوت نفسه وقلقلة صدره بصوت ما ألقي في القربة اليابسة وحرك فيها، وقيل: معناها: أنه كل ما صار إلى حال لم يلبث أن يصير إلى أخرى تقرب من الموت، ولا يثبت على حال واحدة، يقال: تقعقع الشيء، إذا اضطرب وتحرك.
وقال- عليه السلام-: "من عزَّى مصاباً فله مثل أجره".