رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جلس أصحابه في المسجد للتعزية، فدخل عليهم شيخ وقال: سلام عليكم يا أهل البيت [ورحمة الله]، فردوا عليه السلام، فتلا قوله تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} الآية [آل عمران: ١٨٥] ثم قال: إن في الله عزاء من كل مصيبة .. وذكر ما تقدم إلى أن قال: فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، وعليه فتوكلوا؛ فإن المصاب من حرم الثواب. وخرج، فقال عليُّ- كرم الله وجهه-: اطلبوه، فطلبوه فلم يجدوه، فقال علي: جاءكم أخوكم الخضر يعزيكم بنبيكم، - صلى الله عليه وسلم -.
قال: وفي تعزية المسلم بالكافر: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك؛ لما تقدم. زاد الماوردي: وأخلف عليك. ولا يقول: وغفر لميتك؛ لأن الاستغفار للكافر حرام. ولفظ الشافعي في هذا في "الجامع الكبير": ولا بأس أن يعزي المسلم إذا مات أبوه النصراني فيقول: أعظم الله أجرك، وأخلف عليك، أي: كان الله خليفة عليك؛ لأن الأب لا يخلف بدله. وجمع الماوردي والبندنيجي بين اللفظين فقالا: يقول له: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وأخلف عليك. وفي إثبات اللفظ في قول الشافعي: أخلف عليك نظر؛ فإن النووي قال: قال أهل اللغة: يقال لمن ذهب له مال أو ولد أو قريب أو شيء يتوقع حصول مثله: أخلف الله عليك، أي: رد عليك مثله، فإن ذهب ما لا يتوقع مثله: بأن ذهب والد أو عم أو خال أو أخ لمن لا جد له ولا والد- قيل: خلف الله عليك- بغير ألف- أي: كان الله خليفة عنه عليك.
وقال الغزالي: يقول له: جبر الله مصيبتك، وألهمك الصبر.
والكل جائز؛ إذ لا توقيف.
قال: وفي تعزية الكافر بالمسلم: أحسن الله عزاءك، وغفر لميتك؛ لما تقدم. ولا يقول: أعظم الله أجرك؛ إذ لا أجر له، وفي "الحاوي" يقول له: أخلف الله عليك، ولا نقص عددك، وغفر لميتك.
قال: وفي تعزية الكافر- أي: الذمي أو المعاهد دون الحربي كما قال في الجيلي- بالكافر: أخلف الله عليك، ولا نقص عددك؛ لأن ذلك ينفع المسلمين في الدارين: أما في الدنيا فبتكثير الجزية، وأما في الآخرة فبالفداء من النار، وقد قال البندنيجي وغيره: إنه ينوي بقوله: "ولا نقص عددك": تكثير