للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا وجب فلا تكبينَّ باكيةُ وأراد بالوجوب: الموت، وأقل درجات النهي: أن يحمل على الكراهة.

قلنا: لأجل ذلك قال ابن الصباغ: إنه يكره.

والجائز من غير كراهة: البكاء عليه قبل الموت، ويشهد له حديث أسامة بن زيد المتقدم، وحديث عبد الله بن عمر الذي أخرجه مسلم قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوده مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، فلما دخل عليه وجده في غشية، فقال: "أقد قضى؟ قالوا: لا، يا رسول الله؛ فبكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما رأى القوم بكاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بكوا، فقال: "ألا تسمعونَّ، إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا- وأشار إلى لسانه- أو يرحم.

وعبارة البندنيجي تقرب من ذلك؛ فإنه قال: إذا ثبت أن البكاء مباح بلا ندب، فوقته ما لم يمت الميت، فإذا مات انقطع البكاء فلا يبكي عليه أحد.

وعن الشيخ أبي حامد أن المستحب ألا يبكي أحد بعد الموت، وعبارة الإمام: الأولى عدمه، فإن غلب فلا كراهة. وأخذ القاضي الحسين من الخبر المذكور- مع ما ذكرناه أولاً- أن البكاء جائز قبل الموت وبعده، لكنه قبل الموت مستحب. أراه للقلق على فراقه، وأنا لا نسر بأموالك وميراثك؛ ليطيب قلبه بذلك.

وعلى كل حال، فلا يعذب الميت ببكاء من بكى عليه؛ لقوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤]، ولقوله: {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه: ١٥]،

<<  <  ج: ص:  >  >>