واعلم أن الأصحاب من العراقيين- كأبي الطيب والبندنيجي وابن الصباغ، وغيرهم- قالوا في هذه المسألة والصورة كما ذكرنا إن البيع هل يبطل في نصيب الفقراء أو يصح؟ قولان سواء قلنا إن الزكاة تجب في الذمة [و] العين مرتهنة بها أو تجب في العين بمعنى أن الفقراء ملكوا من المال قدر الفرض، ووجهوا البطلان بأنا إن قلنا: إن الزكاة وجبت في الذمة فقدر الفرض من المال مرتهن بها وبيع المرهون لا يجوز، وإن قلنا: إنها وجبت في العين بالمعنى الذي ذكرناه الذي لا يعرفون غيره، فبيع مال الغير لا يجوز. ووجهوا الصحة: بأنا إن قلنا: إنها تجب في الذمة وقدر الفرض من المال مرتهن بها فذاك تعلق طرأ بغير رضاه فلم يمنع من بيعه؛ كتعلق الجناية برقبة عبده، وإن قلنا: إنها تجب في العين كما ذكرنا فملك الفقراء كلا ملك، فإن ثمرة الملك ثابتة لرب المال وملكهم غير مستقر بدليل أن لرب المال إسقاطه بإخراج الزكاة من غيره [بغير رضاهم فكذلك بالبيع؛ لأن به يصير ملتزماً للإخراج من غيره].
قال ابن الصباغ: والأول أقيس؛ لما ذكرنا، قال: وقول من صار إلى الأول أن بيع العبد الجاني صحيح، ممنوع، وقول من صار إلى الثاني أن ملكهم غير مستقر، مسلم، لكن ليس لرب المال إسقاطه من العين قبل الدفع وإنما يسقط بدفع الزكاة، وإذا قلنا بهذا فهل يبطل البيع فيما عدا نصيب الفقراء أو [يصح؟ فيه قولاً تفريق الصفقة. وإن قلنا بمقابله صح فيما عدا نصيب الفقراء] من طريق الأولى.
قلت: وحاصل ذلك يرجع إلى ثلاثة أقوال في المسألة:
أحدها: بطلان البيع في الجميع.
والثاني: صحته في الجميع.
والثالث: وهو الذي صححه النووي-: بطلان البيع في نصيب الفقراء، وصحته فيما عداه.
وأنت إن أجريت كلام الشيخ على ما يقتضيه ظاهره في أن القولين في صحة البيع في الجميع أو بطلانه في الجميع كان صحيحاً. وإن أردت حمله على ما