قال ابن الصباغ: والأول أقيس؛ لأنه يلزم هذا القائل أن يقول إذا عزل قدر الزكاة من مال آخر: إنه يصح بيع الكل؛ لأن الزكاة لا تتعين عليه فيه.
وقد جعل الرافعي الوجهين فيما إذا كان المال ماشية مفرعين على قولنا: إن الزكاة تتعلق بالعين تعلق شركة، وإنهما مبنيان على كيفية ثبوت الشركة، [و] فيه وجهان تقدما. وهذا البناء يخدشه جريانهما في الناضِّ مع أن الشركة فيه بالحرية.
وقد ادعى الغزالي تبعاً لإمامه أنه لا خلاف في نفوذ التصرف فيما زاد على قدر الزكاة قبل الجفاف؛ فإن المنع من التصرف في الثمار بالكلية خروج عن الإجماع، وهو خلاف ما درج عليه السلف، وفيه منع الناس من الرطب والعنب فإن تأدية الزكاة لا تقع إلا من التمر والزبيب، وفيه طرف من المعنى: وهو أن مالك الثمار يلتزم بمؤنة تربية الثمار إلى جفافها و [هو] في ذلك [يربي من] حق المساكين فقوبلت هذه المؤنة بإطلاق تصرفه في التسعة الأعشار، وأما بعد الجفاف فهو بمنزلة المواشي.
قلت: والجزم بنفوذ التصرف قبل الجفاف يخالفه ما حكيناه عن القاضي الحسين من امتناع التصرف وجعل علة الجواز أفضى بالمنع إلى امتناع الناس من الرطب والعنب؛ فيه نظر من حيث إن الخرص تضمين على الصحيح، أما مع التصريح به أو بدونه [وحينئذ] فالمالك متمكن من التصرف في جميع الثمرة فلا ينسد عليه باب التصرف في الرطب والعنب. نعم ذاك صحيح إذا قلنا: إن الخرص عبرة مجردة؛ فإن رب المال لا يكون له طريق إلى التصرف.
وقد جعل الإمام الأول من الوجهين في حالة الجفاف وعدم التمكن من الأداء في جواز التصرف؛ لأنه غير منسوب إلى تقصير في التأخير، فلو سددنا عليه التصرف فيما يزيد على مقدار الزكاة لكان ذلك حجراً مضراً بخلاف ما بعد الوجوب والتمكن، ثم جواز رهن جميع مال الزكاة كبيعه إن قلنا: قولاً تفريق