الأصل في ذلك قبل الإجماع عليه، من الكتاب قوله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} الآية [البقرة: ١٨٣]، والمراد: فرض عليكم، كما في قوله تعالى:{كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي}[المجادلة: ٢١] أي: فرض الله، والمراد بالأيام المعدودات: أيام شهر رمضان، وذكرها بجمع القلة، ليهونها على النفوس، ولأنها قليلة بالنسبة إلى أيام السنة، ويدل على ذلك قول ابن عباس:[إن] أول ما فرض صوم شهر رمضان فذكره بلفظ الأيام مجملاً، ثم بينه بقوله: شهر رمضان.
فإن قيل: الآية تأبى ذلك؛ لأنه قال: لم يكن واجباً على من قبلنا.
قلنا: قد حكى القاضي الحسين أن ما من أمة من الأمم السالفة إلاَّ وقد فرض عليهم شهر رمضان، إلا أنهم قد ضلوا عنه، ولئن سلمنا أنه لم يكن واجباً على من قبلنا فالتشبيه في أصل الصوم تشبيه لنا في الابتلاء به إلا أنه كهو من كل وجه. ويجوز أن يكون التشبيه عائداً إلى صفة الصوم؛ [لأن في بعض الشرائع السالفة إذا قام المكلف بالصوم] حرم عليه الإفطار إلى الليلة المستقبلة، وقد نقل أنه كان في صدر الإسلام الأكل والشرب والنكاح مباحاً للصائم ما بين صلاة المغرب و [صلاة] العشاء حسب، فإذا صلى العشاء أو نام قبل ذلك حرم عليه الأكل والشرب والجماع إلى الليلة المستقبلة، ثم نسخ، وسبب نسخه: أن رجلاً اختان نفسه