وفيه قولان، والصحيح: أن الصوم واجب على الشيخ الهمِّ ومن في معناه، وهو مخير بين أن يأتي به وبين أن يطعم على القول بوجوب الفدية؛ للآية، ووجه الدلالة منها من وجهين.
أحدهما: أن ابن عباس وعائشة كانا يقرآن – كما حكاه المتولي عن رواية البخاري في "صحيحه" عنهما: "وعلى الذين يُطَوَّقونه فدية ... " ومعناه: وعلى الذين يكلفون بالصوم ولا يطيقونه، قال الماوردي وأبو الطيب وغيرهما: لأن قراءة الصحابي تجري مجرى خبر الواحد في وجوب العمل به، لأنه لا يقول ذلك إلا سماعاً وتوقيفاً.
ونسب القاضي الحسين هذه القراءة إلى غير ابن عباس، وأنه كان يقول: إن الصوم لما فرض انحتم فعله على القادر عليه ولم يخير فيه، وإن الآية محكمة لم تنسخ.
والثاني: على القراءة المشهورة [أن] المخاطب برمضان كان مخيراً فيه بين فعله وبين الفدية، للآية، ثم نسخ ذلك بقوله:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البقرة: ١٨٥] رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن سلمة بن الأكوع. قال القاضي أبو الطيب: فمقتضى ذلك إيجابه في حق كل أحد، إلا أنَّا أجمعنا على أنه لم ينحتم في حق الشيخ الهم ومن في معناه؛ فكأن حكمه باق على الأصل، واختصاص الشيخ بالقادر على الصوم، وقد روى أبو داود عن ابن عباس أنه قال: كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة [الكبيرة] وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم