وعبارة ابن الصباغ في حكاية نصه في "الأم": "أن من حركت القبلة شهوته كرهتها له فإن فعل لم ينتقص صومه، ومن لم تحرك شهوته فلا بأس له، والقبلة وملك النفس في الحالين عنها أفضل"، وهذه العبارة توافق ما اقتضاه كلام البندنيجي: أنها كراهة تنزيه؛ حيث قال:"والأفضل ترك القبلة، سواء كان ممن تحرك القبلة شهوته أو لا تحركها"، وهو الذي يفهمه كلام الماوردي والفوراني؛ حيث أطلقا الكراهة من غير تعرض للتحريم، وهو مصرح به في الحاوي في كتاب الاعتكاف.
ويجوز أن يكون المستند في ذلك مع ما حكيناه عن إمام ما نقله المزني في "المختصر"، وهو: أن من حركت القبلة شهوته، كرهنا له، فإن فعل، لم ينتقص صومهن وتركه أفضل.
وقد قال ابن الصباغ معترضاً على المزني: إنه حكى بعض ما قاله في "الأم"، وأسقط بعضه، وهو مغير لمعناه؛ لأن من تحرك القبلة شهوته لا يقال: تركها له أفضل؛ لأن فعلها مكروه.
قلت: وهذا الاعتراض متوجه على لفظ الأم؛ لأنه قال:"وملك النفس في الحالين أفضل"، وإحدى الحالين ما إذا كانت القبلة تحرك شهوته، [وقد صرح بالكراهة فيها، وقد علمت مما ذكرناه أن من لم تحرك القبلة شهوته] لا يكره له وإن كان الترك أفضل، ويشهد له رواية أبي داود عن أبي هريرة أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن [المباشرة للصائم]، فرخص له، وأتاه آخر فنهاه، فإذا الذي رخص له شيخ، والذي نهاه شاب.
وقال الإمام: إنه روي أن سائلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القبلة في الصوم، فأباحها له، وسأله آخر فنهاه عنها، فروجع في جوابه، فقال:"إن الأول شيخ والثاني شاب"، ويعضد ذلك رواية مسلم عن عائشة، قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل في