أحدهما: نعم؛ لأنه جاوز الميقات مريداً للنسك، وأحرم بعده.
والثاني: لا؛ لأنه جاوزه محرماً؛ فصار كما لو أحرم مبهماً من الميقات، فلما جاوزه صرفه إلى الحج، والله أعلم.
قال: فإن عاد إلى الميقات قبل التلبس بالنسك، أي: قبل التلبس بشيء من [أعمال] ما أحرم به غير الإحرام من ركن أو سنة: كطواف القدوم في الحج، وإلا فهو بمجرد الإحرام قد تلبس بالنسك.
قال: سقط عنه الدم؛ كما إذا عاد الدا فع عن عرفة قبل الغروب إليها [بعد الغروب]، وهذا عن الشيخ تصريح بأن الدم وجب ثم سقط، وهو وجه حكاه الماوردي، وحكى وجها آخر وصححه: أن الدم إنما يجب بفوات العود، ولا نقول: إنه وجب بالإحرام، وسقط بالعود.
والمذكور في "تعليق" البندنيجي: أنه إذا جاوز الميقات مريداً للنسك، وأحرم دونه، فقد أساء، وكان أمره مراعى: فإن عاد إلى الميقات قبل التلبس بشيء من أفعال نسكه تبينا أنه لم يجب عليه دم، وإن لم يعد تبينا أنه كان قد وجب عليه؛ وهذا وجه ثالث، والكل متفقون على أنه بعد العود لا شيء عليه، وهو [ظاهر المذهب] في "الشامل"، وغيره.
وحكى القاضي أبو الطيب قولاً ثانياً في المسألة: أنه لا يسقط عنه الدم بالعود إلى الميقات محرماً؛ كما لو رجع بعد ما تلبس بالنسك، ورواه الشيخ أبو حامد وجهاً، وتبعه ابن الصباغ وغيره.
قال القاضي أبو الطيب: والصحيح: أنه قول، والصحيح عدم الوجوب؛ لأنه حصل محرماً في ميقاته قبل التلبس بشيء من أفعال عبادته؛ فوجب ألا يلزمه [دم] لأجل عدم إحرامه منه؛ قياساً على ما إذا ابتدأ إحرامه من دويرة أهله؛ وعلى هذا قال في "البحر": وعلى هذا يكون عن أراد النسك مخيراً بين ثلاثة أشياء: بين أن يحرم قبل الميقات، وبين أن يحرم من الميقات، وبين أن يحرم دونه ثم يعود إليه، ولا يكون مسيئًا في واحد منها. وعلى قول من قال: لا يسقط الدم، [لا يخرج عن الإساءة]