فوجب ستر الجميع، والوجه إنما نهي فيه عن النقاب]، وذلك القدر ليس بنقاب ولا في معناه، ولأن الغرض بذلك أن يظهر شعار الإحرام، وذلك لا يفوت بفوات جزء منه، بخلاف ستر العورة، ولأن الستر آكد؛ فقدم.
فإن قيل: لم جعل إحرام الرجل في رأسه والمرأة في وجهها؟
قيل: لأن المرأة تستر الوجه في الغالب؛ فأمرت بكشفه نقضًا للعادة تعبدًا، والرجل يستر الرأس في العادة؛ فأمر بكشفه نقضًا للعادة تعبدًا.
قال: فإن أرادت الستر عن الناس، أي لحر أو برد أو لا لغرضٍ – سدلت، أي: أَزْخَتْ، على وجهها ما يستره، ولا يقع على البشرة؛ لما روى أبو داود عن مجاهد عن عائشة قالت: كان الركبان يمرون بنا، ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا جاوزونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه.
وما قيل من أن حديث مجاهد عن عائشة مرسل؛ لأنه لم يسمع منها – ففيه نظر؛ لأن البخاري ومسلمًا في "صحيحيهما" أخرجا من حديث مجاهد عن عائشة أحاديث، ومنها ما هو ظاهر في سماعه منها، ثم لو ثبت ذلك أخذنا هذا الحكم بالقياس على ما لو ستر الرجل رأسه من الشمس وغيرها بما لا يقع عليه؛ فإنه جائز – كما تقدم – لرواية مسلم وغيره عن أم الحصين قالت: حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، فرأيت أسامة وبلالاً وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر رافع ثوبه يستره من الحر، حتى رمى جمرة العقبة.
وصورة الستر على الهيئة التي قالها الشيخ: أن تأخذ ثوبًا فتشده على قصاص الشعر كالكور، وتسدل عليه الثوب، وتمسكه بيدها؛ حتى لا يمس وجهها كذا قاله الماوردي.
وقال القاضي الحسين: إن ذلك لا يمكن إلا بأن تضع خشبتين على أذنيها وتشدهما بخيط، وتسدل الثوب عليهما متجافية.
ثم إذا فعلت ذلك وباشر الوجه: فإن أزالته في الحال فلا شيء عليها، وإن تركته