وهل يحتاج في التصرف إلى إذن البائع على القول بعدم اشتراط النقل؟ ينظر: إن كان له حق الحبس فنعم، وإن لم يكن له حق الحبس فلا، على الأصح.
ومقتضى ما ذكرنا فيما إذا كان المبيع في يده أنه لا يحتاج إلى إذنه وإن ثبت له حق الحبس على الأصح. وهو ما يقتضيه كلام الإمام في "كتاب الرهن" فإنه قال: وذكر أبو علي في الشرح وجهاً أن القبض لا يحصل، ولا يبطل حق البائع في حبس المبيع إذا أثبتناه ما لم يأذن أو يتوفر عليه الثمن. وهذا غريب ثم قال: والذي ينقدح لنا في هذا أنه إذا لم يحصل القبض حتى يتوفر الثمن فينبغي أن تكون العين في يد المشتري بمثابة المبيع يقبضه قبل توفية الثمن.
وأما إذا كان المبيع مقدارً فلا بد مع ما ذكرناه في الصورة السابقة من الذَّرْع أو الوزن أو الكيل، فلو قبض جزافاً فاشتراه مكايلة دخل المقبوض في ضمانه، وفي صحة بيعه لما تيقن أنه له، وجهان:
أحدهما- وبه قال ابن أبي هريرة وساعده الجمهور-: أنه لا يصح.
وقال أبو إسحاق: إنه يصح.
وقبض ما اشتراه كيلاً بالوزن ووزناً بالكيل كقبضه جزافاً، وكذا قبضه بكيل من غير جنس الكيل الذي اشترطه.
ولو اشترى منه قفيزاً من طعام فاكتاله بالمكوك- الذي هو ربع القفيز- فوجهان وكذا لو اكتال الصاع بالمد على وجهين في "الحاوي".
وسيأتي في الباب الثاني أن النووي حكى ما يقتضي أن المكوك ثمن القفيز.
ولو قال الدافع: خذه فإنه كذا، فأخذه مصدقاً له، فالقبض فاسد أيضاً، حتى يجري اكتيال صحيح.
ولو كان للبائع على غيره طعام، فقال للمشتري: اذهب معي لأقبضه وأكتاله لك، ففعل- فهو فاسد أيضاً؛ لنهيه عليه السلام: عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان، يعني: صاع البائع، وصاع المشتري.
ولو اكتاله البائع لنفسه ثم سلمه إلى المشتري في المكيال؛ ففي صحة القبض وجهان محكيان في "تعليق" البندنيجي وغيره.