فرع: بيع الجارية المغنية بما تساويه لولا الغناء، صحيح، وبأكثر منه هل يصح؟ فيه ثلاثة أوجه، ثالثها – وهو قول الشيخ أبي علي -: إن قصد الغناء بطل، وإلا فلا.
وهذا مفرع – كما حكاه الرافعي في كتاب الصداق – على أن مثل هذه إذا غصبت ونسيت الألحان يرد معها أرش النقص بسبب النسيان، وهو وجه حكاه الإمام أيضاً مع وجه آخر: أنه يضمن قيمتها مغنية إذا تلفت، وإن كان قد جزم قبيل الكلام في "الأمة تغرُّ من نفسها"، بأنه إذا أتلفها لم يضمن إلا مثل قيمتها لو لم تحسن الغناء، مع حكاية الخلاف في جواز بيعها.
قال: ولا يجوز بيع ما يبطل به حق آدمي: كالوقف، وأم الولد، والمكاتبُ – [أي بضم الباء] – في أصح القولين والمرهون.
قد تقدم في صدر الباب أن هذا يندرج تحت القدرة على التسليم؛ لأن العجز عن التسليم نوعان: حسي وشرعي، وهذا من الشرعي.
وذكر الشيخ إبطال حق الآدمي ليرشدك إلى علة الحكم، فالوقف لا يصح بيعه؛ لما روى ابن عمر أن عمر أصاب أرضاً بخيبر، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال:"إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها" قال: فتصدق بها عمر – رضي الله عنه – صدقة، لا تباع ولا توهب ولا تورث.
وأما أم الولد فلا يصح بيعها؛ لما روى عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع أمهات الأولاد.
وفي القديم حكاية قولك أنه يجوز بيعها متبعاً فيه ما روي عن علي – كرَّم الله وجهه – وتعتق بموت مستولدها على هذا، وقيل: لا تعتق بموته، كما رواه الخراسانيون، وهو إلى كلام الشيخ أقرب؛ إذ لو لم يكن كذلك لما كان فيه إبطال