للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: وهو اختيار المزني أنه يصح؛ لأن الجناية إن كانت توجب القصاص فهو يرجى سلامته ويخاف تلفه، فلم يمنع ذلك من بيعه كالمريض.

وإن كانت خطأ فلم تتعلق برضا السيد فلا يكون سبباً للحجر عليه في ملكه، ولأن هذا الحق غير مستقر في رقبة العبد؛ فإن السيد بالخيار بين التسليم والفداء، فلا يمنع البيع، كما لو باع عبده بشرط الخيار، ثم باعه فإنه يصح.

والقول الثاني، أنه لا يصح، وقيل: إنه ظاهر المذهب، فإن الشافعي قال: وبهذا أقول.

ووجهه: أنه حق لآدمي تعلق برقبة العبد فمنع [من] صحة بيعه كالرهن، بل أولى؛ لأن الجناية تقدم على الرهن، والقصاص لصاحبه العفو على المال فهو كجناية الخطأ، ويخالف المريض في ذلك. وثبوته بغير اختياره إكراه. ولا يشبه البيع بشرط الخيار؛ لأن البائع يملك إسقاط حق المشتري، وهاهنا لا يسقط حقه، وإنما يوفيه حقه بالفداء، فهون كإبقاء الدين الذي به الرهن.

قال: وقيل: إن كانت الجناية خطأ لم يجز قولاً واحداً؛ كالمرهون، وإنما القولان في جناية العمد وتوجيههما ما تقدم.

وبعضهم بناهما على القولين فيما يوجبه القتل العمد فقال: إن قلنا: القود عيناً؛ صح وإلا فلا.

[و] قال الإمام: قد نسب بعض أصحابنا تخريج القولين على قولنا: موجب العمد القود؛ لأن المالية ثابتة ضمناً؛ ولهذا قلنا: مستحق القصاص يرجع إلى المال دون رضا من عليه القصاص، وهذا ما يقتضيه كلام الغزالي في وسيطه؛ فإنه قال: فيه خلاف مرتب على أن موجب العمد ماذا؟

قال: وقيل: إن كانت الجناية عمداً جاز قولاً واحداً - كالمريض المذفف والمرتد، وإنما القولان [فيما] إذا كانت الجناية خطأ. وتوجيههما ما ذكرناه.

وهذه الطريقة أصح عند الشيخ أبي حامد وراويته المحاملي والبندنيجي، والأولى عند الغزالي من القولين فيها صحة البيع.

<<  <  ج: ص:  >  >>