ومنهم من أقر النصين، وهو الأظهر في "الرافعي"، وفرق بأن القصد من اللقطة المال والإشهاد في التصرفات المالية مستحب، وفي اللقيط يحتاج إلى حفظ الحرية والنسب؛ فوجب الإشهاد؛ كما في النكاح.
وأيضاً: فاللقطة يشيع أمرها بالتعريف، ولا تعريف في اللقيط.
وحكى الإمام وجهاً فارقاً بين أن يكون الملتقط ظاهر العدالة؛ فلا يكلف الإشهاد، أو مستورها؛ فيكلف؛ ليصير الإشهاد قرينة تغلب على الظن الثقة به، وهذا الوجه قريب الشبه من وجه حكيناه في عدم وجوب الإشهاد على أخذ الراهن الرهن؛ لينتفع به إذا كان ظاهر العدالة.
ثم إذا أوجبنا الإشهاد فلم يفعله، قال في "الوسيط": لا تثبت له ولاية الحضانة، ويجوز الانتفاع.
قال الرافعي: وهذا يشعر باختصاص الإشهاد الواجب بابتداء الالتقاط، وفيما ادعاه من الإشعار نظر.
تنبيه: ظاهر كلام الشيخ يقتضي أن للملتقط ولاية حفظ مال اللقيط كما له حفظ نفسه، وهو وجه حكاه الإمام مع وجه آخر: أنه يتعين عليه رفعه إلى القاضي؛ لأن إثبات اليد على المال يفتقر إلى ولاية عامة أو خاصة، ولا ولاية للملتقط، وإيراد البغوي يقتضي ترجيح الأول، وبه جزم الماوردي؛ حيث قال: لو كان الملتقط أميناً عليه [وعلى] ما معه فيقران في يده، وهل يكون للحاكم عليه نظر أم لا؟ فيه وجهان:
أحدهما- وهو قول أبي علي الطبري-: لا نظر له عليه، ولا اجتهاد له فيما إليه؛ كما لا نظر له في اللقطة على واجدها إذا كان أميناً.
والثاني- وهو قول أبي علي بن خيران-: للحاكم عليه في المنبوذ نظر، وله في كفالته اجتهاد؛ لأنه الولي على الأطفال، [وخالف] اللقطة؛ لأنها كسب.
فإن قيل: هذا عين الخلاف الذي حكاه الإمام؛ فلا جزم.
قلت: لو كان كذلك للزم أن يكون في الافتقار إلى إذن القاضي في استمرار المنبوذ في يد ملتقطه خلاف، وقد ادعى الإمام الإجماع على عدم اعتباره، لكن