واحترز الشيخ بقوله: مندوب إليها عن القربة الواجبة, ولأن القرب منها ما قام دليل عليه بخصوصه, كالعتق وصلة الرحم وغير ذلك, ومنها ما اندرج في عموم قوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: ٧٧] ونحوه؛ فتبين أن الوقف من الأول وهو آكد من الثاني؛ لتظافر الدليل العام والخاص عليه.
قال: ولا يصح إلا ممن لا يجوز تصرفه في ماله؛ لأنه تصرف في المال, ويعتبر مع جواز التصرف في المال أن يكون أهلًا للتبرع فإن المكاتب من يجوز تصرفه في ماله ولا يصح وقفه.
قال: ولا يصح إلا في عين معينة, فإن وقف شيئاً في الذمة بأن قال: وقفت فرسًا أو عبدًا, لم يصح؛ لأنه إزالة ملك على وجه القربة؛ فلم يصح في عين الذمة كالعتق والصدقة, وهكذا الحكم فيما لو ثبت له في ذمة شخص فرس أو عبد فوقفه, ولو وقف أحد العبدين أو إحدى داريه ففيه وجهان في "الوسيط", وأصحهما: المنع كما في الهبة, ومن جوز قاسه على العتق.
قال الإمام: وهذا التردد يضاهي تردد الأصحاب في أن الوقف هل يقبل التعليقَ [قبولَ] العتق له, ويلتفت على أن الوقف إذا اقترن بالشرط المفسد هل يفسد أم ينفذ نفوذ العتق؟ ثم إذا صححناه طالبناه بالتعيين, فإن أفضى الأمر إلى الإقراع أقرع, كما في العتق.
قال: ولا يصح إلا في عين يمكن الانتفاع بها مع بقائها على الدوام كالعقار والحيوان والأثاث أي –سواء كان مفرزًا أو مشاعًا.
ووجه صحة وقف هذه الأنواع –مع ما ذكرناه من حديث عمر-: ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر ساعيًا على الصدقات, فلما رجع شكا العباس وخالدًا و [ابن] جميل, فقال صلى الله عليه وسلم: "ما نقم ابن جميل, إلا أنه كان فقيرًا فأغناه الله تعالى ورسوله, وأما خالد فإنكم تظلمون خالدًا؛ إنه قد احتبس أدراعه, وأعتاده في سبيل الله عز وجل". وروي: "أدراعه وأعتده". والأعتد, قال القاضي الحسين: الخيل.