ثم ظاهر الكلام في الكنيسة إذا بنيت لقصد التعبد، أما إذا أوصى ببنيانها؛ لنزول المارة من أهل الذمة فيها، صحت الوصية؛ كما نص عليه الشافعي - رضي الله عنه - في كتاب الجزية، ونقله الأصحاب.
ثم حكى الماوردي وجها آخر: أنه لا تجوز الوصية إذا خصص بالنزول أهل الذمة، وإن جازت الوصية لهم؛ لأن في ذلك جمعا لهم؛ فيؤدي إلى التعبد.
وقال: إن محل الجزم بالصحة: إذا أوصى ببنائها؛ لينزلها أهل الذمة والمسلمون.
وإن أوصى ببنائها؛ لنزول المارة والتعبد، فوجهان:
أحدهما: تبطل فيما أسند للتعبد، وتصح فيما أسند للمارة، فيبنى بنصف الموضع الموصى به موضع للنزول خاصة.
والثاني: يبنى بجميع الموصى به موضع للنزول خاصة.
ومن هذا: ما إذا أوصى بمال يسرج في البيع والكنائس، إن قصد به تعظيما لم يجز، وإن قصد به الضوء على من يأوى إليها خاصة، قال الشيخ أبو حامد، وهو ما حكاه البندنيجي وصاحب العدة والنووي في كتاب الجزية-: صحت الوصية؛ لأن قصده منفعة الذين يأوون إليها؛ فتصح كالوصية لهم ابتداء.
قلت: وقد ذكر في الوقف أنه لو وقف على كنيسة على هذا النحو لم يصح، وإن كان الوقف يجوز على أهل الذمة، لأن في الصرف على هذا الوجه تعظيما لهم، ولا يبعد أن يجيء مثله هاهنا ويعضده الوجه الذي حكاه الماوردي.
واعلم أن هذا الفصل وإن كان دالا على امتناع الوصية في مثله، فهو أيضاً دال على امتناع صرف المال إلى مثل ذلك. وإن كان كذلك حسن أن تضاف الفروع المتعلقة بهذا إلى هذا الموضع:
فمنها: إذا أوصى لذمي بصحف، فقد نص الشافعي - رضي الله عنه - على أن الوصية باطلة.
وقد قال القاضي أبو الطيب: قال أصحابنا: ينبغي أن يكون فيه قول آخر: آن الوصية صحيحة، ويؤمر بإزالة الملك عنه [ويعضده أنهم حكوا فيما إذا أوصى له بعبد مسلم، هل يصح، ويوم بإزالة الملك عنه] أو لا يصح؟ قولين.