وقيل: المراد بها الدين، يقال: فلان ينتحل بكذا، والمعنى: وآتوا النساء صدقاتهن تَدَيُّناً.
وروي أن النبي- صلى الله عليه وسلم- جاءته امرأة، فقالت: يا رسول الله، أني وهبت نفسي لك، فقام قياماً طويلاً، فقام رجلٌ، فقال: يا رسول الله، زوجينها إن لم يكن لك بها حاجة، فقال- صلى الله عليه وسلم-: "هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا إِيَّاهُ؟ " فقال: ما عندي إلا إزاري، فقال:"إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِيَّاهُ، جَلَسْتَ فَلَا إِزَارَ لَكَ، فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَماً مِنْ حَدِيدٍ"، فالْتَمَسَ فلم يَجِدْهُ، فقال:"هَلْ مَعَكَ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ؟ "، فقال: نعم، سورة كذا، وسورة كذا، فقال- صلى الله عليه وسلم-: "زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ"، وفي رواية:"زَوَّجْتُكَهَا؛ فَعَلِّمْهَا"، وانعقد الإجماع على ما يصح [جعله] صداقاً: أنه يثبت بالتسمية الصحيحة.
قال: والمستحب ألَّا يعقد النكاح إلا بصداق، اقتداء برسول الله- صلى الله عليه وسلم-؛ فإنه لم يعقد نكاحاً إلا وسمي فيه صداقاً؛ على ما حكاه ابن الصباغ والمتولي، وحتى لا يشبه نكاح الواهبة نفسها للنبي- صلى الله عليه وسلم- وليكون أدفع للخصومة والمنازعة.
وإنما لم يكن [ذلك] واجباً؛ لأن الغرض الأعظم من النكاح- الاستمتاع ولواحقه، وأنه يقوم بالزوجين؛ [فهما الركنان]؛ فيجوز إخلاء النكاح عن الصداق، وقد دل على ذلك- أيضاً- قوله تعالى:{لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً}[البقرة: ٢٣٦]، وقوله- صلى الله عليه وسلم- لرجل:"أَتَرْضَى أَنْ أُزَوِّجَكَ فُلَانَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: أَتَرْضَيْنَ أَنْ أُزَوِّجَكِ فُلَاناً؟ " قالت: نعم؛ فزوج أحدهما صاحبه، فدخل بها، ولم يفرض لها صداقاً، ولم يُعْطِها شيئاً، وكان له سهم بخيبر، فلما حضرته الوفاة قال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- زوجني فلانةَ، ولم يفرض لها صداقاً، ولم أُعْطِها شيئاً، وإني أشهدكم أني قد