قال: ومن زال عقله بسبب لا يعذر فيه: كالسكران، ومن شرب ما يزيل عقله لغير حاجة، وقع طلاقه.
أما وقوع طلاق السكران؛ فلأن الله تعالى كلفه في حالة السكر؛ بقوله تعالى:{لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}[النساء: ٤٣]، ولأن عليّاً- كرم الله وجهه- رأى إيجاب حد المفترى عليه، لهذيانه، ووافقه الصحابة عليه؛ فدل على أن لكلامه حكماً، وأنه مكلف، وإذا كان كذلك وقع طلاقه كالصاحي.
ولأنه جعل كالصاحي بالنسبة إلى قضاء الصلوات التي مرت عليه مواقيتها في زمن السكر بلا خلاف على ما حكاه الإمام، فليكن كالصاحي في وقوع طلاقه، [وهل يقع طلاقه] في الباطن كما يقع في الظاهر؟ فيه وجهان.
وأما من شرب ما يزيل عقله بغير حاجة؛ فبالقياس عليه؛ لاشتراكهما في التعدي؛ وهذه طريقة [القاضي] أبي حامد.
وقيل: إنه كالمجنون، وعليه يدل [ظاهر] ما نقله المزني في المختصر، واختاره الإمام؛ لأن الطبع لا يدعو إلى تناوله، وإنما صرنا إلى الوقوع في السكر؛ تغليظاً عليه، للحاجة إلى الزجر.
قال: وقيل: فيه قولان:
أشهرهما: أنه يقع طلاقه؛ لما قدمناه.
والثاني: أنه لا يقع، وبه قال [المزني، ويحكى عن ابن سريج] وأبي طاهر الزيادي وأبي سهر الصعلوكي، وابنه سهل؛ لأنه لا يفهم، ولا يعقل؛ فليس له قصد صحيح؛ [فأشبه المجنون]، أو لأنه مفقود الإرادة؛ فأشبه المكره؛ وهذا الطريق قال الرافعي: إنه أصح، وبه قال الأكثرون.
وفي النهاية: أنه لا يُلفَى للشافعي نص: أنه لا يقع طلاقه، ولكن نص في القديم على قولين في ظهاره؛ فمن الأصحاب من نقل من ظهاره [قولاً] إلى الطلاق، وخرج المسألة على قولين.