أحدهما: أنه مولٍ في الحكم، وهذا هو القديم، واختيار المزني؛ لأن ظاهر هذا اللفظ يقتضي الوطء في الفرج؛ فكان كلفظ الجماع، وقد ورد في القرآن بعضها لإرادة الوطء؛ قال الله تعالى:{وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ}[البقرة: ١٨٧]، وقال تعالى:{وَلا تَقْرَبُوهُنَّ}[البقرة: ٢٢٢]، والباقي في معنى المذكور؛ فكان حكمه كحكمه.
قال: والثاني: أنه ليس بمُولٍ إلا أن ينوي الوطء، وهو الأصح؛ لأن لهذه الألفاظ خصائص غير الوطء، ولم تشتهر فيه اشتهارَ الوطء؛ فكانت كناية فيه.
ويجري القولان فيما لو قال: لا مسستك، أو: لا أمسُّك، ولا أفضي إليك، ولا أباعلك، ولا أدخل بك، ولا أفترشك، ولا أغشاك، ولا آتيك.
وقيلك إن لفظ "المباضعة" و"القُرْبان" و"الغِشْيان" و"الإِتْيان" كناية قولاً واحداً، وفي "التهذيب" حكاية هذه الطريقة في "القربان" و"الإتيان"، وأن في لفظ "الغشيان" القولين، قال الرافعي: ولا يتضح بينهما فرق.
قال: وإن قال: والله لا اجتمع رأسي ورأسك، أي: على وسادة، أو: تحت سقف، أو: لتطولَنَّ غيبتي عنك، وما أشبه ذلك كقوله: لا دخلت عليك، ولا دخلتِ عليّ، ولأُغْضِبَنَّكِ، ولأسُوءنَّكِ، ولأبعدنَّ عنك-: فإن نوى الوطء فهو مُولٍ؛ لاحتماله، وإن لم ينو فليس بمُولٍ:
أما في قوله: لا اجتمع رأسي ورأسك؛ فلأن ذلك ليس من لوازم الوطء.
وأما فيما عداه؛ فلأنه وإن أريد به الوطء فليس صريحاً في مدة الإيلاء؛ لصحة إطلاقه على ما دونه.
ثم اعلم أنه يشترط مع نية الوطء في قوله: لتطولن غيبتي عنك، أو: لأبعدن عنك، وما شابهه- أن ينوي المدة أيضاً، ولا يشترط ذلك في قوله: لا اجتمع رأسي ورأسك، ولا في قوله: لا دخلت عليك ولا دخلت عليّ.
وكذا في القِسْم قبله إذا قلنا: إنه كناية؛ لأن إطلاق هذا يقتضي التأبيد، بخلاف الأول؛ فإنه يقتضي مدة، وسيأتي أنه إذا قال: لا وطئتك مدة، أنه لا يكون مولياً حتى ينوي أكثر من أربعة أشهر.