ولأنه- عليه السلام- مبعوث لبيان الشريعة، لا اللغة؛ إذ هو وغيره فيها سواء. وقال الماوردي: إن أصحابنا- في جملة العلماء- اختلفوا في أن لفظ "الصلاة" في قوله- تعالى-: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ}[يونس: ٨٦] وغيرها من الآيات من المجمل الذي لا يعقل معناه إلا بالبيان، أو هو ظاهر معقول المعنى قبل ورود البيان؟ على وجهين، وبنوا عليهما أن اسم "الصلاة" هل جاء به الشرع؛ كما جاء ببيان الحكم، أو كان معروفاً عند أهل اللسان والشرع، مختصّاً ببيان الأحكام؟ فمن قال بالأول قال: إن الشرع أحدث الاسم [كالحكم]، ومن قال بالثاني قال: إن الاسم مأخوذ من أهل اللغة واللسان.
والذي عليه [جمهور] أهل العلم مذهب ثالث، وهو ما قدمناه.
ومن السنة- مع ما سنذكره في الباب والذي يليه- ما روى ابن عمر أنه- عليه السلام- قال:"بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان" أخرجه مسلم.
قال: يجب فرض الصلاة على كل بالغ عاقل طاهر مسلم، هذا الكلام مسوق لبيان من هو المخاطب بفرض الصلاة، وهكذا فعل في الصيام والزكاة، ولاشك في أن من اتصف بالصفات التي ذكرها مخاطب به، ومن فقد في حقه وصف منها سيأتي الكلام فيه.
والفرض في كلام الشيخ بمعنى: المفروضن فقد يظن بعض الطلبة أن الشيخ ساق ما ذكره؛ لتعريف ما يجب من الصلوات، فيقول: كيف يحسن أني قول: "يجب فرض الصلاة" مع أنه لا فرق عندنا بين الواجب والفرض؛ لأنه يصير معنى الكلام: يجب الواجب، وذلك في غاية الركة؟! وليس الأمر إلا كما ذكرناه، ومنه يظهر لك أنه في غاية الفصاحة؛ لأن اختلاف الألفاظ مع اتحاد المعنى من أساليب البلاغة.
فإن قلت: يلزم- على هذا- ألا يكون الشيخ قد تصدى للكلام في فرضية