قال: وإن لم ينفه؛ لقيام ما ذكر من الأعذار، ولم يشهد، أي: مع القدرة على الإشهاد- لم يكن له نفيه؛ لتقصيره.
واعلم أن قول الشيخ:"ولم يشهد"، يجوز أن يكون بياناً لاعتبار الإشهاد- كما ذكرناه عن البندنيجي وغيره- واكتفى الشيخ بهذا عن التصريح باشتراط الإشهاد كما في قوله- تعالى-: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً}[النساء: ٤٣]، فإنه دالٌّ على اعتبار الطلب، كذلك هذا اللفظ يكون دالّاً على اشتراط الإشهاد، لكن سكوته عن البعث إلى الحاكم يشعر بأنه ليس بواجب كما دَلَّ عليه كلامه في "المهذب". ويجوز أن يكون مراده [بقوله:"ولم يشهد": لم يبعث إلى الحاكم، ويكون فيه تنبيه على أن المبعوث يشترط فيه أن يكون] من أهل الشهادة، والله أعلم.
فرع: الغائب إذا كان يمكنه أن يسير فليأخذ في السير عقيب بلوغ الخبر إليه، ويشهد أنه على النفي، فإن أخر السير بطل حقه، أشهد أو لم يشهد، وكذلك لو أخذ في السير ولم يشهد، بطل على أحد الوجهين، وهو ما جزم به القاضي الحسين في "التعليق"، وهذا الخلاف يشابه الخلاف المذكور في مثله في الشفعة، وقد صرّح الإمام بذلك حيث قال: وأمَّا الفور ومعناه فقد ذكرناه في كتاب الشفعة، وذكرنا فيه الإشهاد وبلوغ الخبر في الغيبة، ولسنا نعيد شيئاً مما مضى؛ إذ لا فرق بين البابين.
قال: وإن كان الولد حملاً، فترك نفيه، أي: إلى أن وضعته، وقال: لم أتحقق، أي الحمل، بل رجوت أن يكون ريحاً يتنفس فلذلك لم أنفِهِ- قبل قوله، أي: مع يمينه؛ لأنه عذر محتمل.
قال: وإن قال: علمت، ولكني قلت: لعله يموت فأكفى اللعان- لحقه، أي: وسقط حقه، كذا نص عليه في "المختصر"؛ لأنه ترك النفي من غير عذر؛ فأشبه ما لو أخر نفي المنفصل رجاء أن يموت فيكفي اللعان.
وحكى المتولي وغيره وجهاً: أنه لا يسقط حقه؛ بناءً على أن الحمل لا يعلم. واعلم أن إطلاق الأئمة القول بأن الحمل هل يعلم أم لا؟ قد تكرّر اعتراض الإمام فيه في هذا الباب وفي كتاب النفقات، وقال: الحمل لا سبيل إلى العلم به؛ لأن ما