لأنه بالجنون لا يَخْلُفُه، كما لا يَخْلُفُ في سائر الحقوق.
ولو كانا ولدين، فانتسب أحدهما إلى أحدهما، والآخر إلى الآخر- دام الإشكال، فإن رجع أحدهما إلى قول الآخر، قُبِلَ، وهذا يخالف ما لو ألحقه قائف بأحدهما، وألحقه آخر بآخر؛ فإنه يقدّم الأول.
وقال ابن كج: إنهما يتعارضان، ويصير كأن لا قائف.
ثم هذا إذا لم يكن سبب اختلاف القائفيْنِ الاختلاف في الشبه، أما إذا كان سببه الاختلاف في الشبه بأن اعتبر أحدهما الشبه الخفي، والآخرُ الشبهَ الظاهر- فأيهما يقدم؟ فيه وجهان في "الشامل"، والظاهر في "الرافعي": الأول.
ولو ألحقه القائف بأحدهما، ثم رجع وألحقه بالآخر- لم يقبل، وذكر ابن كج: أنه إن رجع بعد تنفيذ الحمك بقوله لم يلتفت إلى رجوعه، وإن رجع قبل ذلك، قبل رجوعه، ولا يقبل في حق الآخر؛ لسقوط الثقة بقوله.
ونفقة الولد إلى أن يعرض على القائف عليهما، فإن ألحق بأحدهما رجع الآخر عليه، كذا قاله الرافعي في باب القافة، وحكى في الباب الثاني من "العدة": أن له الرجوع إذا أنفق بإذن الحاكم؛ فلو أنفق بغير إذنه فلا رجوع.
قال: ولا يقبل قول القائف إلَّا أن يكون ذكراً حُرّاً عدلاً مجرّباً في معرفة النسب:
أما اعتبار التجربة؛ [فليعرف كونه] من أهل الاجتهاد، فإنه لا يجوز الرجوع لمن لا يُعْرف علمه بهذا النوع؛ كما أن من لا يعرف علمه بالأحكام لا يقلّد الحكم. وأما اعتبار باقي القيود؛ فبالقياس على الحاكم.
وفي الذكورة وجه: أنها لا تعتبر، ووُجِّه بأن قول المرأة يجوز في النسب، وهو في الشهادة في الولادة.
قال ابن الصباغ: وهذا ضعيف؛ لأن شهادتها لا تقبل في النسب، وإنما تقبل في الولادة، والولادة مما لا يطلع عليها الرجال، وأجرى هذا الوجه في العبد أيضاً.
وبناه الفوراني مع الأول فيهما على أن القيافة كالحكم أو كالقسمة، ووجْهُ مشابهتها للقسمة: اشتمالها على التمييز بين النفي والإثبات.